«تفتحت عيناى فى شبابى والكون مقلوب على رأسى، وكان حلم حياتى أنا وجيل من أصحابى أن نعدل هذا الكون المقلوب، وأدركنا اليأس بعد قليل أو كثير، ثم ما لبثنا أن وقفنا نحن على رؤوسنا لكى نستطيع أن نتواصل مع الحياة والبشر». لخص صلاح عبدالصبور بتلك الكلمات فى كتابه «حياتى فى الشعر» جزءاً من معاناته هو وجيله مع الحياة التى زارها بشكل سريع، ولم يلبث فيها وقتاً طويلاً (توفى فى عمر الخمسين)، ولكنه ترك خلفه تركة كبيرة من الآثار الإبداعية الباقية لأبد الدهر، التى وضعته فى مكانة فريدة فى الأدب العربى المعاصر. يُعد «عبدالصبور» أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربى، ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربى، كما أنه واحد من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة فى التأليف المسرحى والتنظير للشعر الحر. ولد محمد صلاح الدين عبدالصبور يوسف الحواتكى يوم 3 مايو عام 1931 فى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، تخرج فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1951، ثم عُين عقب تخرجه كمدرس فى المعاهد الثانوية، وتتلمذ «عبدالصبور» فى كلية الآداب على يد الشيخ «أمين الخولى» الذى ضمه إلى جماعة الأمناء ثم الجمعية الأدبية التى ورثت مهام الجماعة الأولى، وكان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبى والنقدى فى مصر. تميز الشاعر المبُدع «صلاح عبدالصبور» بموهبة شعرية فريدة لما يتمتع به من ثقافات مختلفة واطلاع على الكثير من الألوان الشعرية المختلفة، من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربى، مروراً بأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب. كان ديوان «الناس فى بلادى» عام 1957 أول مجموعات «عبدالصبور» الشعرية، الذى يُعد أول ديوان للشعر الحديث يهزّ الحياة الأدبية المصرية فى ذلك الوقت، مما لفت إليه أنظار القراء والنقاد، حيث اكتمل نضجه وتصوّره للبناء الشعرى. فى 13 أغسطس عام 1981 رحل الشاعر «صلاح عبدالصبور» إثر تعرّضه لنوبة قلبية حادة أودت بحياته، تاركاً رصيداً فنياً هائلاً من الدواوين الشعرية، من أبرزها «أقول لكم» و«أحلام الفارس القديم» و«تأملات فى زمن جريح» و«شجر الليل» و«الإبحار فى الذاكرة». بالإضافة إلى عدد من الكتابات النثرية، من بينها «حياتى فى الشعر» و«أصوات العصر» و«رحلة الضمير المصرى» و«على مشارف الخمسين». كما كتب عدداً من المسرحيات الشعرية منها «مأساة الحلاج» و«مسافر ليل» و«الأميرة تنتظر» و«بعد أن يموت الملك»، و«ليلى والمجنون» التى قال فيها على لسان «سعيد» بطل المسرحية فى «يوميات نبى مهزوم يحمل قلماً، ينتظر نبى مهزوم يحمل سيفاً»: يا أهل مدينتنا هذا قولى انفجروا أو موتوا رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجىء لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالى جبل الصمت.. أو ببطون الغابات لن ينجيَكم أن تختبئوا فى حجراتكمو أو تحت وسائدِكم.. أو فى بالوعات الحمّامات لن ينجيَكم أن تلتصقوا بالجدران إلى أن يصبح كل منكم ظلاً مشبوحاً عانقَ ظلاً لن ينجيَكم أن ترتدُّوا أطفالاً لن ينجيَكم أن تقصر هاماتكمو حتى تلتصقوا بالأرض أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمو فى سَمِّ الإبرة لن ينجيَكم أن تضعوا أقنعة القِرَدة لن ينجيَكم أن تندمجوا أو تندغموا حتى تتكون من أجسادكمُ المرتعدة كومةُ قاذورات فانفجروا أو موتوا انفجروا أو موتوا