الجنوبيون وهم الرقم الصعب فى المعادلة اليمنية رفضوا القرار، والحوثيون الرقم الأصعب أعلنوا رفضهم أيضا لأسباب مختلفة، فيما استقبله المؤتمر الشعبى والإصلاح بترحاب حذر، باعتباره ضمان التوزيع العادل للثروة والسلطة والمشاركة الشعبية الواسعة فى مراكز صنع القرار. الجنوبيون الذين يتمسكون بصيغة «إقليمين» فى شكل يبدو وكأنه استعادة ما كان قائما قبل الوحدة عام 1990، وهو ما رفضه الشماليون بدعوى أنه يفتح الباب أمام إعادة تقسيم البلاد، وبالتالى قاطع الجنوبيون الحوار الوطنى، ولم يكن مستغربا رفضهم القرار. أما الحوثيون فرفضوا بدعوى أنه «قسم اليمن إلى فقراء وأغنياء، وفق ما أعلن ممثلهم فى الحوار. السؤال إذن، هل هذا القرار الصادر عن الرئيس اليمنى سينهى مشاكل توزيع السلطة والثروة بين اليمنيين، أم سيزيد حالة الصراع القبلى والسياسى بينهم؟ .. الإجابة تبدأ من البحث عن المستفيدين والمتضررين من القرار، أبرز المستفيدون «تنظيم القاعدة» الذى يخلق له القرار فرصة الاستحواذ على أحد الأقاليم ليعلن أول «إمارة إسلامية» فى شبه الجزيرة العربية، ووفق الواقع على الأرض سيكمل التنظيم خططه للظفر ب «إقليم عدن» استنادا إلى مأثور إسلامى يتنبأ بنشوء وسيطرة «جيش عدن أبين» الذى سيملأ الأرض عدلا، وهو احتمال ربما يستدعى التفكير فى كيفية مواجهته، وبالقطع لن تكون المواجهة يمنية، فالدولة التى قررت أن تعدل شكلها قبل أن تبسط سيطرتها على كل أراضيها، ومع التشكيك الدائم فى قدرتها على الحفاظ على كيانها، لا يمكن أن تتحمل مواجهة كتلك، وبالتالى فالباب مفتوح أمام تدخل دولى خاصة أن الإقليم يضم باب المندب ضمن حدوده !! ثانى المستفيدين السعودية، إذ حظت - حدوديا - بمساحة كبيرة قبلية نفطية فى إقليمى «سبأ وحضرموت» اللذين تربط قبائلهما علاقات قبلية وطيدة بالمملكة، التى ستحقق مشروعها الاستراتيجى الطامحة إليه منذ مطلع الألفية بتمرير أنبوب نفط إلى بحر العرب، تخرج فيه ببترولها من قبضة إيران المتحكمة فى مضيق هرمز. وطالما استفادت السعودية فالمتضرر إيران، والمعنى هنا «الحوثيون»، حيث وضح جليا أن الرفض الحوثى للقرار لأنه حرمهم من منفذ على البحر، كما لم يحظوا بتأثير على مناطق النفط، رغم تركيز معاركهم فى الفترة الاخيرة أملا فى حصد أى من المكسبين، المنفذ البحرى والنفط،. الحوثيون هنا ليسوا سوى مخلب قط لسياسية إيرانية تشاكس السعودية فى أحد معاقلها التاريخية. إذن هو صراع إقليمى!! يضاف إليهم الجنوبيون، وفى ظل التبدلات المتوالية فى خريطة التحالفات الإقليمية وانعكاساتها على القوى السياسية والقبلية اليمنية، فالذين دعموا «حاشد» و«الإصلاح» وقوى اليمين طويلا يبحثون اليوم عن قنوات اتصال مع الحوثيين، ومن عارضوا دولة الجنوب ثم تبدل حالهم ودعموا انفصال الجنوب عام 1994، وضغطوا بورقة الانفصال منذ هذا التاريخ، يعارضونه اليوم بعدما بدت مصالحهم أقرب فى ظل الأقاليم الستة، فقد رأت هذه القوى الإقليمية ان التعامل مع «6 حكومات» متناحرة أفضل من التعامل مع حكومة واحدة قوية كانت أو ضعيفة ، أو تخوفا من إعادة إحياء اليمن الجنوبى الذى يبدو أنه لن يكون طائعا حال وجوده. ولا يملك الجنوبيون فى هذه الحال إلا استمرار الرفض الذى ربما ينتقل من خانة النضال السلمى إلى العمل المسلح، على ضوء تداعيات التطبيق الفعلى للقرار، كما أن الحوثيين لن يلقوا سلاحهم أبداً، خاصة بعد المكاسب الميدانية المهمة التى حققوها فى الآونة الأخيرة، ولا شك أيضا أنهم سيستمرون فى مخطط الزحف إلى صنعاء بسياسة الاقتراب التدريجى من العاصمة، كما سيستمرون فى قتالهم على جبهات الجوف، وبالتالى سيستمر الصراع قطعا وستتحول الصيغة الجديدة للنظام اليمنى إلى مجرد ورقة بيد الأطراف الإقليمية التى أخرجت القرار، إذ ليست صدفة أنه فى كل تفاصيله – الجغرافية والسياسية والقبلية - جاء مطابقا لمقاس الصراع السعودى الإيرانى، فى المنطقة وامتداداته كجزء من الصراع فى الإقليم ككل . وطالما الأمور فى هذا الاتجاه فاليمن مرشح لمزيد من التشرذم، وإذا كانت جمهوريته الأولى عام 62 والثانية بالوحدة عام 90 والثالثة بالفيدرالية عام 2014، فالرابعة لن تكون جمهورية !!. وإذا كان يمنا، ثم اصبح يمنين، وعاد بالوحدة يمنا واحدا واليوم هو 6 يمنات، فغدا سيكون عدة يمنات وقطعا لن يكون بينهم «يمن سعيد». نشر بعدد688 بتاريخ 17/2/2014 *