أكد الدكتور "جيل كيبيل"، الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس ، خلال ندوة أفاق الثورات العربية ، اليوم الإثنين، أننا لسنا جميعًا متفقون على مسمى ثورات الربيع العربي، ولكن يمكن تسميتها بالأحداث التي قامت بزعزعة البلاد سواء من وجهة نظر العرب أو غيرهم". و إن الثورات العربية بدأت في الظهور منذ 17 ديسمبر 2010 عندما قام المواطن التونسي (محمد البوعزيزي) بإشعال النار في جسده عندما تعرض للإهانة من قِبَل الشرطة، وكانت هذه الواقعة بمثابة الشرارة الأولى التي انتقلت نيرانها إلى مصر وليبيا والبحرين واليمن وإيران وسوريا وبلاد الخليج. محاولا تحليل ما يحدث في المنطقة العربية عبر ثلاثين عامًا، لكنه لم يكن يتوقع أن تؤدي الأمور إلى ما يحدث الآن بطريقة غير متوازنة على الإطلاق. وقد قام بكتابة أفكاره في صورة سرد لمشاهداته اليومية في المنطقة؛ وذلك من أجل فهم ما يحدث ونقل خبرته الممتدة عبر ثلاثين عامًا للقارئ من خلال استخلاص الأفكار التي تساعده على التحليل وذكر المعلومات التي قد ينساها الكثيرون، سجل ذلك كله في كتابه "الولع العربي" الذي نشره العام الماضي 2013. ركز كيبيل في تحليله للثورات العربية على ثلاث مراحل أساسية : الأولى تغطي معظم عام 2011 ركز فيها على سقوط الأنظمة القديمة في تونس ومصر وليبيا، وعلى إجهاض الثورة في اليمن والبحرين، وعلى اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. أما المرحلة الثانية التي بدأت مع عام 2012 وحتى صيف 2013 فقد شرح فيها صعود الإخوان المسلمين في جميع البلدان عن طريق الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتأثيراتهم المختلفة في تونس ومصر وليبيا. أما المرحلة الثالثة فهي تلك التي بدأت مع ثورة الثلاثين من يونيو 2013، التي بدأ معها انهيار موجة الأخونة، حيث تراجع الإخوان في النهضة بتونس، وتراجع إردوغان في تركيا وبدأ حدوث صراعات بين المتمردين السوريين عن طريق وجود اضطرابات كثيرة في الخليج بين السُنَّة والسُنَّة، وكذلك الصراع بين السُنَّة والشيعة في كلاً من سوريا والبحرين. وأضاف أن الأسباب التي أدت إلى اندلاع كل هذه الثورات في هذا الوقت بالتحديد هو تفاقم المشكلات الاجتماعية التي ظهرت في اهتمام البعض بالأفكار الثورية، وكذلك التحول الاقتصادي بسبب زيادة الأسعار وارتفاع مؤشرات الفقر والجوع والبطالة. وقد استطاعت الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي الاستفادة من أحداث 11 سبتمبر لكسب تعاطف دول العالم نتيجة حالاتهم المتدنية، حيث كانت الحرب على الإرهاب هي النمط السائد للعلاقات الدولية في فترة جورج بوش الابن. وبالطبع كانت الأنظمة العربية تظهر في نظر الغرب كمشكلة وليست كحل؛ لأنها أنظمة متحكمة فلا توجد وسيلة للتعبير عن الرأي إلا عن طريق الإرهاب، وبالتالي لم تعد تحظى هذه الأنظمة بالتأييد الكامل، وبالتالي اندلعت الثورات في مختلف أنحاء البلاد العربية. ففي تونس كانت هناك تحركات عمالية للفقراء والريفيين تدافع عن البوعزيزي، فقد كان متعلمًا لكنه لم يجد فرصة عمل سوى أن يكون بائعاً متجولاً، كما أن الطبقات المتوسطة في تونس تعيش ثقافة مزدوجة، فالتعليم التونسي ينتمي للثقافة العربية، ولكن الشعب التونسي في الأساس ينتمي للثقافة الفرنسية. ومن تونس انتقل شعار (ارحل) إلى مصر، ثم أصبحت كل الثورات العربية تحمل هذا الشعار الذي تم الترويج له عبر قناة "الجزيرة". وفي مصر كانت هناك عناصر أدت إلى قيام الثورة مثل حركة 6 إبريل وحركة كفاية، لكن كان ينقصهما العامل المساعد الذي جاء بعد سقوط (زين العابدين بن علي) في تونس، من هنا حدث امتزاج بين مختلف الطبقات الثورية المصرية. وفي ليبيا، قامت فرنسا وانجلترا بمهام عسكرية للمساعدة على إسقاط الديكتاتور (معمر القذافي)، لكن كان هناك دوماً اتفاق شعبي على وجود هوية وطنية على الرغم من انتشار الحياة القبلية في ليبيا، لكن لم يحدث بها مثل ما حدث في سوريا التي لم تستطع إسقاط النظام بسبب المذاهب الدينية المختلفة التي تقسم البلاد وعدم وجود تلاحم بين القوى الوطنية، وبالتالي أدى ذلك إلى اندلاع الحرب الأهلية. وأكد أن التحدي الأهم أتى على وجه التحديد في 25 يونيو 2013، عندما قام الإخوان بأخطاء سياسية فادحة؛ نتيجة ما أصابهم من غرور، والإحساس الذي أعطوه للشعوب بأن باستطاعتهم الهيمنة على المنطقة كلها عن طريق إنشاء نظام شمولي يقوده الملتحون. وعندما فاز (محمد مرسي) في الانتخابات الرئاسية المصرية في يونيو 2012، لم يكن الإخوان فقط هم من صوتوا له، لكن كان هناك الكثيرون ممن يرفضون فوز (أحمد شفيق) وعودة النظام السابق مرة أخرى، بعد ذلك، تقلصت قاعدة مرسي الشعبية، نتيجة هيمنة الإخوان على كثير من مؤسسات الدولة، مما أدى إلى تحفيز الشعب للخروج في 30 يونيو، لقد لعب الجيش دورًا كبيرًا في هذا التحفيز، فكانت هذه الثورة بمثابة الانهيار للحكم الإخواني. أنهى كيبيل حديثه بالدور القوي الذي يلعبه المجتمع المدني في الوقت الحالي، فهو يرى أن الروح الشعبية للمجتمع العربي المدني قد تغيرت، وأنه إذا تمكن العسكريون من تولي الحكم فلن يكونوا مثل سابق عهدهم؛ لأن الروح والفكر قد تغيرا، فالأنظمة السابقة كانت تلجأ دائمًا إلى العنف والسجن والاضطهاد، أما الآن فهذا لن يكون ممكناً، وأنه من الصعب وجود أنظمة استبدادية تحكم مع وجود دور للمجتمع المدني داخل الدول العربية.