حرملك قصر الجوهرة بالقلعة ..صالة كبيرة مزخرفة الجدران وتتلألأ الأضواء على كافة الجوانب ويُسمع من بعيد دقات آلة العود وضحكات متباعدة لنسوة الحرملك ..يتصدر المشهد والي مصر سعيد باشا في زيه التركي وهو رجل بدين القوام كثيف اللحية يجلس متربعاً على وسادة حريرية وأمامه منضدة طعام خشبية مذهبة عليها صحاف من اللحوم والفاكهة ولكن لاتمتد يده سوى لإناء ضخم يحوي مكرونة سباجتي ..الباشا منسجم تماماً بما يأكل ويتمايل طرباً بينما يقف إزاءه الخواجة ديليسبس يحتضن قبعته ثم يليه واقفاً غير بعيد شريف بك يحمل دفاتر و أوراق متجهماً وفي الخلفية نرى عبيد سود وحرس يحيطون بالمكان الباشا : ( يأكل بنهم) تعرف يا مسيو"بسبس" .. ديليسبس : ( يقاطعه بلطف) خادمك فرديناند يا أفندينا .. فرديناند ديليسبس ! الباشا : ( مواصلاً كأن لم يسمع شيئاً) تعرف يامسيو بسبس انا بحبك ليه ؟ ديليسبس : طبعاً يامولاي بسبب المشروع العظيم اللي سهرت الليالي في تأليفه (يتراجع) في دراسته!أليس كذلك يا مولاي ؟ الباشا: أبداً ..مشروع قناة السويس ليس هو السبب ..السبب هنا (يشير إلى بطنه المنتفخة) هنا عند حضرتنا ديليسبس: لم افهم يا أفندينا ! الباشا :حمار كبير ..مسيو بسبس (يضحك) السبب هو مزاج حضرتنا اللي خليته تمام بالسباجتي بتاعتك ..(يتذكر أن المكرونة مازالت أمامه فيقبل عليها بنهم شديد) المكرونة دي أجمل هدية منك مسيو بسبس..تمام..تمام (يقهقه حتى يتلقي على ظهره) ديلسبس : (يجاريه) أنا موهوب لخدمة. أفندينا والمكرونة دي مجرد تعبير عن اخلصي لسموك الباشا : (يستوي قاعداً ) المصنع الحربي بتاع حضرتنا مش بيعمل سباجتي لذيذة زي اللي بتقدمهالي مسيو بسبس (في غيظ) مش كده شريف بك؟ شريف بك : ( مندفعاً لينهي المهزلة) أفندينا ..جئنا اليوم لمناقشة مشروع قناة السويس ..لا شيء آخر الباشا: (متهللاً) عفارم يا بك ..قول ماعندك ..(يتراجع ) لا لا استنى شريف بك ..قول انت مسيو بسبس! ديلسبس: (ينشر وثيقة ملفوفة يبدو أنها مطولة حتى أنها لامست الأرض.. يقرأ ) مولاي ..المشروع الذي أمامكم يحمل الخير لمصر وسيحققق لمصر النهضة المنتظرة بعد طول الغياب ! شريف بك :( يقاطع)تقصد سيحمل الاستعمار لمصر ويحقق الرخاء لمحاسيب الخواجة والمستثمرين أصحاب الكروش والعقال! ديلسبس :(يتظاهر بالصمم مواصلاً القراءة ) تخضع إدارة المشروع لأفندينا وحده ..وتأخذ التوجيهات من سموه مباشرةً الباشا يأكل المكرونة بنهم متظاهراً بالانصات ! شريف بك (يقاطع ساخراً) طبعاً.. لتخرج الادارة من سلطة قانون البلاد ..ويصبح المشروع دولة داخل دولة! ديلسبس (يواصل) المشروع مستقل بذاته ..له ميزانيته الخاصة ولا يتدخل في شئونه المالية وزير أو محافظ ..ولايتم مناقشة ذلك في أي جهة حكومية أو رسمية ! شريف بك (يقاطع مجدداً) أليس من حقنا كمسئولين في هذا البلد أن نعرف نفقات المشروع ؟ الباشا يلتهم المكرونة بنهم متظاهراً بالانصات ! ديليسبس (يغيظه مواصلاً) وبذلك يصبح المشروع إقليماً مستقلاً عن البلاد ..حتى تستطيع إدارته التحرر من البيروقراطية وتتفرغ لهدفها الأسمى ..رضا أفندينا.. الباشا: عفارم ..عفارم (يضحك) تفكير مظبوط مسيو بسبس ..لازم ننعم عليك بوسام جديد نخترعهو لك ..(يفكر وهو ينظر في الإناء) وسام سباجتي ..هاها ..جميل ..(لشريف بك) مش بتضحك ليه شريف بك ..باين انك مش مبسوط.. شريف بك : (ينفجر غضباً) أفندينا ..بنود المشروع كلها ظالمة للمصريين ..وكلها سوف تجعل المشروع بعيد عن أي سلطة..(يقدم الأوراق التي يحملها) دي دراسة وافية مستوفية عيوب المشروع وخطورته ديلسبس : (ينحني للباشا ) وهل هناك سلطة غير سلطة أفندينا ..(لشريف بك ويجذبه من ذراعه)..دعك من أوراقك ..أنت معزوم في قصري الليلة على حفلة سباجتي .. الباشا (في دلال وحقد ) يابختك بحفلة مسيو بسبس ..شريف بك .. ديلسبس : وهل يكون الحفل حفلاً بغير أفندينا ولي النعم .. شريف بك :( يتميز غيظاً ) أفندينا ..أولى من الكلام في حفل مسيو ديلسبس أن نناقش المشروع قبل توقيعه..نحن نصنع مستقبل الشعب .. الباشا : (يهز بطنه متفاخراً ببدانته المفرطة) أنا الشعب شريف بك ..مش كده مسيو بسبس ؟ ديلسبس : كده أفندينا ..وهل هناك شعب من غير أفندينا؟ شريف بك : (في حماقة متسرعاً) ولا أفندينا من غير شعب ..(يصمت فجأة كأنما نطق كفراً) الباشا : (يغضب) صوص (تعني اخرس ) يا حراس ..اقبضوا على شريف بك ..(يدخل حارسان ويمسكان به) حطوه في سجن القلعة ..(يجرونه على الأرض) شريف بك : (متوسلاً) ياأفندينا ..اديني فرصة أخيرة ..حرام عليك البلد ياافندينا ..عرشك في خطر ياأفندينا (يخرجون) الباشا :( هادئاً) مع السلامة شريف بك ..(لديلسبس في حزم) والآن مسيو بسبس ..تعالى معي..(يقوم) ديلسبس : (متهللاً) للديوان عشان أفندينا يوقع بالموافقة على المشروع .. الباشا: (بنفس الحماسة) غلط مسيو بسبس ..حنروح حفلة السباجتي بتاعتك ..أما نصيب المرحوم شريف بك منها قررنا ضمه لنصيب حضرتنا ..بسرعة مسيو بسبس ..قبل أن أموت جوعاً وشوقاً للسباجتي ! (يقهقه بشدة وهو يعدل طربوشه متأهباً للخروج بينما ينحني له ديلسبس الغارق في دهشته وتعلو نغمات آلة العود مختلطة بصوت صرخات شريف بك الباكية المستغيثة ) ستار