· الحاكم في مصر لا يتعامل إلا مع أهل الثقة ولا يجيد إلا توظيف الجهلة والوصوليين في مواقع الخبرة وصنع القرار · لا نعرف بلدا يصدر خلاصة ما يملكه من خبرات وهو في نفس الوقت يعاني من النقص الشديد في كل التخصصات إلا إذا كان بلدا تختل فيه الموازين إذا كان في مصر خبراء متخصصون.. فلماذا لم نستطع حل مشكلة التعليم والزراعة والصناعة والمرافق والصحة.. وغيرها من المشكلات التي نعانيها.. وإذا لم يكن بيننا خبراء متخصصون في كل هذه الميادين، فلماذا لا نستوردهم من الخارج، كما استوردنا القمح والغذاء والكساء والآلات؟! المطلعون علي شئون هذا البلد يؤكدون أن الخبرات متوافرة والتخصصات موجودة في كل الفروع.. وتشهد الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وبلدان العالم العربي بكفاءة الخبراء والعلماء المصريين في أرقي الميادين.. حتي إن وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» تستعين بعشرات الخبراء المصريين في أرفع المواقع المتعلقة بصناعة الفضاء. أما في مصر فهذه الكفاءات والخبرات والتخصصات محجوبة عن العمل المثمر.. وإن وجد بعضهم مجالا فإنما يجده من قبيل الصدفة.. أو من أبواب خلفية يدخلها الغرض والمصلحة.. أما الغالبية فلا مكان لهم في تخصصاتهم الرفيعة ولا فرصة أمامهم في العمل والإنتاج إلا خارج الحكومة. أين تجد الكفاءات إذن مكانها في مصر؟ الحكومة ترفضهم ولا تنتقي منهم إلاأهل الثقة إن وجدوا.. فإذا كان الخبير ليس أهلا للثقة، فليس أمامه إلا القطاع الخاص.. والقطاع الخاص كما نعلم كسيح لا يقوي علي الحركة والانطلاق كما هو موجود في أوروبا وأمريكا.. وبالتالي فهو لا يستطيع أن يستوعب هذه الكفاءات والخبرات ويستجيب لطموحها في أجور عالية وظروف عمل جيدة. وهذا المناخ الأسود ينقلنا إلي تيار الهجرة الذي يقتلع من مصر أزهي شبابها، وأعظم خبرائها ويهديهم بلا مقابل إلي الدول الصناعية الكبري وخاصة الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا. وهذا التيار الخطر - الهجرة - اشتدت حدته خلال السنوات الأخيرة يضعنا أمام تساؤل مهم وخطير، وهو من إذن سيبني مصر المستقبل.. ومن سينتشلها من التخبط والضياع والسقوط والانهيار؟ لا إجابة ولكن حيرة وخوفا من المستقبل.. فبلاد يهجرها أهل خبرتها وهي في أشد الحاجة إلي خبراتهم وتخصصاتهم لا يمكن أن تنطلق أو تجد أملا في التقدم لأن صناع الانطلاق والتقدم في كل أمة، هم أهل الخبرة والعلم من أبنائها.. ومادام هؤلاء مبعدون عن مواقع المسئولية واتخاذ القرار، وممنوعون من العمل في المناخ الملائم فلابد أن تتحول أنظارهم إلي خارج وطنهم، وأن يتجهوا إلي حيث يوظفون خبرتهم ويؤدون عملهم بحرية وكرامة في أوطان الآخرين. وهذه إحدي مآسي مصر الحقيقية التي لا يسأل عنها إلا نظام الحكم في مصر الذي لا يعرف إلا التعامل مع أهل الثقة فقط.. ولا يجيد إلا توظيف الجهلة والوصوليين في مواقع الخبرة وصنع القرار فالحاكم هو المسئول الأول عن نزيف الهجرة الذي استنزف العقول المصرية، ودفعها إلي الهروب خارج البلاد، ولو كانت الحرية مكفولة والمناخ الديمقراطي شائعا لما وجدت مصر خبيرا واحدا من خبرائها تصدره إلي الخارج.. فمصر بحاجة إلي كل التخصصات، والنقص شديد لأهل الخبرة في كل الميادين.. ولا نعرف بلدا يصدر خلاصة ما يملكه من خبرات وهو في نفس الوقت يعاني من النقص الشديد في كل التخصصات إلا إذا كان بلدا تختل فيه الموازين، متخبط القرار ضعيف الرؤية لا يحسب للمستقبل أي حساب. والحقيقة أن التوزيع العادل لأهل الخبرة والكفاءة علي مواقع العمل والقرار لا يمكن أن يرتبط بنظام الحكم الفساد الذي يحكمنا الآن، إذ لابد من إصلاح سياسي حقيقي يهزم أهل الثقة وينصر أهل الكفاءة.. وبغير ذلك لابد أن ننتظر المزيد من هجرة العقول القادرة علي التفكير والبناء.. إذ لا يمكن أن نطالب كفاءة متخصصة بالتضحية من أجل الوطن وقبول العمل في ظروف منحطة وبأجور ضئيلة مادامت تري نظاما فاسدا، لا يعترف بالتضحية ولا يساوي بين الناس في الحقوق والواجبات بل يقرب أهل الثقة من قليلي الخبرة، ويبعد أهل الكفاءة، ويسقط من حسابه موازين الثواب والعقاب، فيجد المخطئ الثواب، ويجد المجد العقاب!!.. ففي هذا المناخ الموبوء لابد أن تفتر في نفوسهم روح الحماس للعمل والإنتاج وأن يفكروا جديا في الهجرة المؤقتة أو الدائمة إلي بلاد ترعي تخصصاتهم وتجزل لهم العطاء في نفس الوقت.