قدر مصر أن تبقى على مر الزمان الحصن المنيع الذى إن سقط -لاقدر الله- سقط كل ما حولها من بلدان.. وقدر مصر على مر الزمان أن تدفع ثمن أخطاء الآخرين وفشلهم ويكون الثمن من قوتها وقوت ابنائها! وبالطبع يكون جيش مصر خير أجناد الأرض - كما وصفهم خاتم الأنبياء والمرسلين- خط الدفاع الاول فى رد كيد المعتدين، ووضع كل من يحاول النيل من مصر بشعبها وجيشها فى حجمه الطبيعى! لذلك لم يكن غريبًا أن يلوذ الشعب المصرى بجيشه العظيم ويطلب منه تصدر المشهد وحسم الأمور فى البلاد التى وصلت إلى حافة الانهيار! وبالطبع لا يمكن أن تكون ثقة الشعب فى جيشه مبنية على افتراضات وهمية أو من فراغ وإنما عن ثقة وحب وكان جيش مصر كعادته دائمًا سباقًا فى تقديم عرابين الثقة والمحبة للشعب.. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إننى الآن من أسعد الناس بهذه العاطفة الحميمة بين الشعب وجيشه! وهذا نابع من كونى كنت واحدًا من المدافعين عن مواقف الجيش ونزوله للشارع وتحمله للمسئولية فى اعقاب انهيار الشرطة فى 28 يناير 2011 وقد تعرضت بسبب آرائى المؤيدة لمواقف الجيش للغمز واللمز من جانب بعض الزملاء فى خارج وداخل جريدة «صوت الأمة»! وأذكر أننى عندما كتبت منتقداً الأسلوب والتى تحدثت به ضيفتا أحد البرامج التليفزيونية مع الخبير الاستراتيجى والعسكرى اللواء أحمد عبدالحليم الذى كان يثنى على دور الجيش فما كان من أحد الزملاء إلا أن لامنى على هجومى على الفتاتين فقلت له بكره تندم على تلك الانتقادات غير الموضوعية وتلك العبارات الدخيلة علينا مثل «يسقط يسقط حكم العسكر»! وقد ذكرت زميلى بهذا الموقف فاعترف بأننى كنت على حق! لا أحد ينكر أن المجلس العسكرى ارتكب بعض الأخطاء! ولو كانت بعض الأخطاء- مثل عدم وضع الدستور أولا - لكانت أمور كثيرة تغيرت ولما كنا وصلنا إلى الحالة التى وصلنا إليها الآن! ولكن حدث ما حدث ولا وقت للبكاء على اللبن المسكوب كما يقول المثل! ولكن رغم كل ما حدث ورغم كل الفرص الضائعة إلا أن الجيش ظل على عهده دائمًا حاميًا للشعب ولم يفعل كما فعلت جيوش أخرى فى المنطقة قتلت أو مازالت تقتل فى شعبها! وعندما نجحت قوات الجيش بامتياز فى تأمين لجان انتخابات مجلس الشعب الماضية خرج الإخوان المسلمون ومكتب الارشاد وحزب الحرية والعدالة يشيدون بجيش مصر العظيم ونزاهة ووطنية قادته! طبعًا لأنهم حصلوا على أغلبية المقاعد التى مكنتهم من الحصول على رئاسة المجلس وأكثر من 90٪ من لجانه الرئيسية! وعندما حكمت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بدأ الغمز واللمز! ووسط هذا الجو المشحون والمظاهرات الفئوية التى تتم بفعل فاعل وعودة شعار الشرعية للميدان بعد أن كانت فى وقت من الأوقات الشرعية للبرلمان! كان هناك من يحث ويحرض على المليونيات كل جمعة! فلم يكن التمكين قد تم ولن يتم إلا بغياب المجلس العسكرى والجيش عن المشهد العام ولا سبيل إلى ذلك الا باستمرار المظاهرات والمطالبات الفئوية واستمرار رفع الشعار إياه «يسقط يسقط حكم العسكر» بالإضافة إلى بعض العبارات البذيئة والتصريحات غير المسئولة من جانب البعض فى حق قادة الجيش! ورغم كل ذلك كان الجيش أمام بعض الاستحقاقات الملحة لاستيراد سلع ضرورية كالبوتاجاز والقمح لا يتأخر عن ضخ المبالغ المطلوبة من ميزانيته الخاصة! جرت انتخابات الرئاسة وامنها الجيش وفاز الدكتور مرسى بمنصب الرئيس وأوفى المجلس العسكرى بوعوده وسلم السلطة للرئيس المنتخب! بعدها بأيام يقع حادث رفح الإرهابى الذى راح ضحيته 16 جنديًا مصريًا مع انطلاق مدفع الإفطار فى شهر رمضان! يقع الحادث الاجرامى كالصاعقة على الشعب المصرى الذى طالب بالكشف عن مرتكبى الحادث وتعهد الرئيس وقتها بالكشف عن مرتكبى الحادث وأن دماء الشهداء لن تضيع هدرًا! ومرت الأيام وكأن شيئًا لم يكن وكأن حادثًا لم يقع وكأن جنودًا لم يموتوا ولكن الذى حدث أن الرئيس اعفى المشير طنطاوى والفريق سامى عنان من منصبيهما وعين الفريق عبدالفتاح السيسى وزيرًا للدفاع والذى أكد فى أكثر من تصريح أن الجيش المصرى جزء من الشعب المصرى وأن ولاءه وانحيازه سيكون على العهد به فى صالح الشعب ولن ينحاز إلى طرف معين على حساب الاطراف الأخرى وانه لن يسمح بإنهيار الدولة تحت أى ظرف! وجاءت أحداث بورسعيد لتؤكد صدق تلك التصريحات وتلك التوجهات نزل الجيش الى مدن القناة بعد إعلان الرئيس حالة الطوارئ وحظر التجوال فى الشوارع وكان رد الأهالى على أرض الواقع أنهم بدأوا شئون حياتهم مع بداية ساعات حظر التجوال فأقاموا الأفراح ونظموا مباريات كرة القدم ليلا فى الشوارع وانتظر الناس موقف الجيش من رد فعل أهالى مدن القناة وبورسعيد بالذات وكان الموقف والمشهد من جانب الجيش خارج توقعات البعض ويتوافق مع ثقة جموع الشعب فى جيشه العظيم! تجاوب الجيش مع أهالى بورسعيد ولعب الضباط والجنود كرة القدم مع الأهالى! وسبب هذا الموقف صدمة للبعض الذى توقع صداما بين الجيش والشعب ولكن خابت الظنون فجاءت التصريحات غير المسئولة وغير المسبوقة من جانب أحد أعضاء مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين التى اتهمت الجيش صراحة بأنه تورط فى قتل جنوده فى رفح! ثم تخرج تصريحات أخرى من سفير تركيا فى مصر يطلب فيها تخفيض ميزانية الجيش المصرى وتصريحات من جانب قادة حماس فى غزة تهاجم فيها عمليات الجيش المصرى فى هدم الانفاق التى تستخدم فى تهريب السلاح والمواد التموينية! فماذا كان موقف الجيش المصرى وقادته؟!.. هذا ما سنعرفه العدد القادم نشر بتاريخ 4/3/2013 العدد 638