مدبولي: اكتمال تشكيل البرلمان إيذان بمرحلة جديدة من التعاون التشريعي والحكومي.. صور    محافظ البحيرة تتابع سير العملية الانتخابية من غرفة التحكم والسيطرة    رئيس غرفة عمليات حزب المؤتمر: لم نرصد تجاوزات بالانتخابات حتى الآن    التفتيش على 974 منشأة خلال 6 أيام لتطبيق قانون العمل الجديد    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    الاحتلال يسلم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا ضمن صفقة التبادل    تخطى حاجز ال 300، عدد أهداف الدوري الإنجليزي بعد 11 جولة    اليوم.. انطلاق معسكر منتخب مصر استعدادًا لكأس العين الدولية الودية    نورة عصام ابنة جامعة القناة تحصد 3 برونزيات في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    انتخابات مجلس النواب، إصابة رئيس لجنة في حادث تصادم بأسوان    براءة ربة منزل من تهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب في التجمع    تحرير 1248 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    الليلة، "واحد من الناس" يستعيد ذكريات زكي رستم وشكوكو وسيد زيان    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    اعرف الأسعار فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الإثنين 10-11-2025 فى المنوفية    زيادة عالمية جديدة.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-11-2025 وعيار 21 الآن في محال الصاغة    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 10 نوفمبر 2025    كأس العالم للناشئين.. موعد مباراة مصر وإنجلترا| والقنوات الناقلة    جهاز الإحصاء: ارتفاع معدل التضخم الشهرى 1.3% لشهر اكتوبر 2025    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    زيلينسكي: الملك تشارلز لعب دورا في تشجيع ترامب على دعم أوكرانيا    حالة الطقس.. منخفض جوي بارد يؤثر على البلاد اعتبارا من الخميس المقبل    خطوات وموعد تسجيل استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية 2025    عاجل- بدء سداد رسوم حج القرعة لموسم 2026 بالبنوك الوطنية ومكاتب البريد    الرئيس الأمريكي يصدر عفوا عن عشرات المتهمين بالتدخل في انتخابات 2020    في ذكرى رحيل معالي زايد.. رحلتها من الفن التشكيلي إلى عالم السينما    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    السيدات يتصدرن المشهد أمام لجان انتخابات مجلس النواب بدائرة الهرم والعمرانية    مازن المتجول: أجزاء فيلم «ولاد رزق» مثل أبنائي.. ولا يوجد تأكيد لجزء رابع    وزارة الرياضة تقوم بحملات رقابية على مراكز الشباب بمحافظة البحيرة    بعد 40 يوما .. مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    تقرير - هل يتراجع المد اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين في هولندا بخسائر فيلدرز؟    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة ويؤكد قيم الوحدة الوطنية    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دار الإفتاء توضح حكم إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها والانتفاع منها في التعلم أو الزينة
نشر في صوت الأمة يوم 19 - 09 - 2024

أوضح دار الافتاء خلال ردها على سائل يقول ، ما حكم إقامة المتاحف والمعابد التي تقوم بعرض التماثيل؟ وما حكم استخدم التماثيل للتَّعلُّم أو للتاريخ أو للزينة أو لأيّ منفعة أخرى؟ وهل يجب تكسير هذه التماثيل كما يفعل بعض المتشددين؟
الجواب

يجوز شرعًا إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها؛ لأن التماثيل في عصرنا لا يُقصد بها مضاهاة خلق الله، ولا يُقصد بها العبادة والتقديس، ولا تُصْنَع لغرضٍ محرَّم، فإنْ قُصِد بها غرض صحيح: من تَعلُّمٍ، أو تأريخٍ، أو زينةٍ، أو غيرها من الأغراض المباحة في الشريعة فالقول بجوازها أولى، سواء كانت كاملة أو غير كاملة، على الحجم الطبيعي للإنسان أو لا، قُصد بها اللعب والتربية للأطفال وغيرهم أو لا، ويجوز أن تُستخدم، وأن تُباع، وأن تُشترى؛ ولا يجوز تكسيرها كما يفعله بعض الجهَّال والمنحرفين.
بيان أقوال العلماء في حكم صناعة التماثيل واقتنائها وبيعها
جاء في "لسان العرب" لجمال الدين ابن منظور (11/ 613- 314، ط. دار صادر): [التمثال: اسم للشيء المصنوع مشبهًا بخلق من خلق الله، وجمعه، التماثيل، وأصله من مَثَّلْت الشيء بالشيء إذا قدرته على قدره] اه.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تنصُّ في ظاهرها على حرمة صناعة التماثيل واتخاذها؛ منها ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي الهَيَّاج الأَسَدِيِّ قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» وذهب إلى هذا الرأي كثيرٌ من أهل العلم فرأوا تحريم التماثيل؛ صناعةً واستعمالًا واتخاذًا وبيعًا وشراءً؛ وقد استدلّوا لما ذهبوا إليه كذلك بأنَّ الأمرَ بطمسها يتنافى مع اتخاذها واستبقائها، وأنه قد وردت روايات أخرى بهذا المعنى.

ومن الفقهاء من يرى أنَّ الحكم بحرمتها ليس عامًّا، وإنما هو خاصٌّ بما هو على هيئةٍ كاملةٍ من ذوات الأرواح، وقد استدلوا لذلك بما رواه البخاري عن سعيد بن أبي الحسن قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: إني إنسانٌ، إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير؛ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سمعته يقول: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ»"؛ فرأوا أنَّ هذا الحديث يُخَصّص العمُومَ الوارد في بعض الأحاديث بحرمة جميع التماثيل ليحمل الحكم على ما لم يكن من ذوات الأرواح.

واستدلُّوا كذلك بنص آخر هو ما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ»، وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا ومرفوعًا عند البيهقي وغيره: «الصُّورَةُ الرَّأْسُ؛ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَليسَ بِصُورَةٍ»؛ فرأوا أنه مما يُخَصِّص العموم الوارد في بعض الأحاديث، ليُحْمَل الحكم على الوارد فيها بالحرمة على ما كان تمثالًا كاملًا لشيء من ذوات الأرواح، أما ما كان على غيرها، أو كان لها إلَّا أنَّه غير مكتمل فأجازوه؛ قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 216، ط. دار إحياء التراث العربي): [إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدنٍ بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جُعِلَ له رأسٌ وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان] اه.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 649، ط. دار الفكر): [(قوله: أو ممحوة عضو.. إلخ) تعميمٌ بعد تخصيص، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلًا؟ والظاهر أنَّه لو كان الثقب كبيرًا يظهر به نقصها فنعم وإلا فلا.. (قوله: لأنها لا تعبد)؛ أي: هذه المذكورات، وحينئذٍ فلا يحصل التشبه] اه.

وذهب فقهاءُ الشَّافِعيَّةِ في قولٍ، وهو ما ذهب إليه كذلك الشيخ الإمام محمد عبده، أنَّ الحكم عام يُخَصَّص بالتعليل الوارد في النصّ، فيكون الحكم بالحرمة إنما هو خاص بما كان عزمُ صانعه على أن يُضَاهِي بما يصنعه خلق الله تعالى، أو اتُّخذت للعبادة ونحوها ممَّا لا شكَّ في حرمته، فرأوا أنَّ التعليل الوارد في خصوص هذه المسألة إنما يُخَصِّصُ الحكم بها ولا يُبطل النصوص السابقة وغيرها ممَّا هو في معناها؛ لأنه يجوز استنباط معنى من النصّ يخصّصه، ولا يجوز استنباط معنى من النصّ يَكِرُّ عليه بالإبطال؛ قال العلامة تاج الدين السبكي في "الأشباه والنظائر" (1/ 154، ط. دار الكتب العلمية): [وفي استنباط معنى يُخَصِّصُ قولان.. وكذلك قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: 43] مَن اعتبر تَجرُّدَ اللفظ نقض الوضوء بمجرد لمس المحارم، ومَن نظر إلى المعنى خصَّصهن] اه.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "غاية الوصول في شرح لب الأصول" (ص: 122، ط. دار الكتب العربية الكبرى): [(و) شرط الإلحاق بالعلّة (أن لا تعودَ على الأصل) الذي استُنْبِطَت منه (بالإبطال) لحكمه؛ لأنه منشؤها، فإبطالها له إبطال لها، كتعليل الحَنفيَّةِ وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير، فإنه مُجَوِّز لإخراج قيمة الشاة مُفْض إلى عدم وجوبها عينًا بالتخيير بينها وبين قيمتها، (ويجوز عودها) على الأصل (بالتخصيص) له (في الأصح غالبًا)؛ فلا يُشْتَرَط عدمه كتعليل الحكم في آية ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ بأنَّ اللمسَ مظنة التمتع؛ أي: التلذّذ، فإنه يخرج من النساء المحارم فلا ينقض لمسهن الوضوء] اه. فقد ذكر الشيخ رحمه الله أنَّ العلة التي لا تكرُّ على الأصل الذي استُنْبِطَت منه بالبطلان يمكن أن تخصّص الحكم، وضرب لذلك مثالًا بما علل به فقهاء الحَنفيَّةِ لوجوب الشاة في الزكاة، حيث علَّلوا بدفع حاجة الفقير، وهذه العلة تكرُّ على الأصل الذي هو وجوب الشاة بالإبطال، حيث تُجيز إخراج القيمة، مما يُفْضِي إلى عدم وجوب العين؛ لقيام التخيير بين العين والقيمة.

وقال الشيخ الإمام محمد عبده رحمه الله فيما نقله عنه الشيخ رشيد رضا في "مجلة المنار" (20/ 270) بعد أن ساق الأحاديث المتعلقة بالتصوير والتماثيل: [إنَّ الوعيدَ على تحريم التصوير خاص بمن كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأما الآن فلا، والتحقيق أنَّ الأصلَ في الوعيد على التصوير قسمان: أحدهما: لا يتحقق إلا بالقصد، وهو مضاهاة خلق الله. وثانيهما: لا يُشترط فيه قصد علة الحصر، وهو كما يُؤخَذُ من حديث كنيسة الحبشة، وممَّا صرح به المحققون من المتقدمين والمتأخرين في شرحه وشرح غيره، وهو سد ذريعة عبادة صور الأنبياء والصالحين وغيرهم.. إنَّ سد الذرائع يختلف باختلاف الأزمنة وباختلاف أنواع الصور، ولما كانت التماثيل والصور المعظمة في الجاهلية تعظيم العبادة هي صور ذات الأنفس أذن ابن عباس رضي الله عنه للمُصَوِّر الذي استفتاه بتصوير الشجر وما لا نفس له، ولما صارت صور ذات الأنفس لمجرد الزينة، وزالت مظنة العبادة اتَّخذ بعض أئمة السلف بعض الصور في بيوتهم، كما ترك الصحابة الصور في إيوان كسرى] اه.
بيان المراد بالتحريم الوارد في السنة النبوية في ذلك
ظهر بهذا أنَّ تحريمَ الأصنام والتماثيل ليس تحريمًا ذاتيًّا، وإنما هو تحريم لغيره وهو التحريم لمَا يفعل بها، مثل أن يقصدَ صانعُها مضاهاة خلق الله، أو تُتَّخذ للعبادة والتقديس ونحو ذلك، والقاعدة في المُحَرّم لذاته أن يباح للضرورة؛ كأكل الميتة ولحم الخنزير، وفي المُحَرّم لسدّ الذريعة؛ أي: المحرم لغيره، أن يُبَاح للمصلحة الراجحة؛ كما أبيحت رؤية الطبيب للعورات، وأبدان النساء الأجنبيات، وقد عدَّد الشيخ الإمام رحمه الله بعد ذلك المصالح التي تحصل من استخدام الصور والتماثيل وأنها نافعة جدًا في العلوم المعاصرة، وأنَّ له أنواعًا من الفوائد في حفظ اللغة، وإيضاح كثير من العلوم والفنون: كالتاريخ والطب والتشريح، وفي الأعمال العسكرية والإدارية والسياسية، فقال في المرجع السابق نفسه: [إنَّ له أنواعًا من الفوائد في حفظ اللغة، وإيضاح كثير من العلوم والفنون، وفي الأعمال العسكرية والإدارية والسياسية، وذكرت له من الأمثلة على ذلك.. ولا يترتب على نوع ما من أنواع هذه التصاوير تَذَرُّعٌ إلى عبادةٍ غير مشروعة، ولا إلى تعظيم ديني، ولا يُقْصَدُ بشيء منها مضاهاة خلق الله] اه.

وظهر أيضًا أنَّ عللَ تحريم الأصنام والتماثيل قد تعدَّدت، وقد اختلف الفقهاء فيما إذا تعلَّق الحكم بعلل، هل لا بد منها جميعًا لوجوده، أم أن واحدة منها تكفي؟ قال العلامة الشوكاني في "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" (2/ 115، ط. دار الكتاب العربي): [وأما تعدُّد العلل الشرعية مع الاتحاد في الشخص.. اختلفوا في ذلك على مذاهب: الأول: المنع مطلقًا، منصوصةً كانت أو مستنبطةً، حكاه القاضي عبد الوهاب عن متقدمي أصحابهم، وجزم به الصيرفي، واختاره الآمدي، ونقله القاضي، وإمام الحرمين. الثاني: الجواز مطلقًا، وإليه ذهب الجمهور، كما حكاه القاضي في "التقريب"؛ قال: "وبهذا نقول؛ لأنَّ العللَ علاماتٌ وأماراتٌ على الأحكام، لا موجبة لها، فلا يستحيل ذلك"، قال ابن برهان في "الوجيز": "إنه الذي استقر عليه رأي إمام الحرمين".. والحقُّ: ما ذهب إليه الجمهور من الجواز، وكما ذهبوا إلى الجواز فقد ذهبوا أيضًا إلى الوقوع، ولم يمنع من ذلك عقل ولا شرع] اه.

ورأوا كذلك أنَّه ممَّا يدلّ أيضًا على تخصيص عموم النصوص الواردة في حرمة الأصنام ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم في قوله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، فهذه الآية وإن وردت في حق نبي الله سليمان عليه السلام، إلا أنَّ الله تعالى لم يُعَقّب هذه الآية بما يدلّ على التحريم، بل أكَّد الحق سبحانه وتعالى بعدها مباشرة على أنها من نعمه سبحانه وتعالى على آل داود عليه السلام؛ حيث طلب منهم الشكر عليها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، ومن المعلوم أنّ شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ولم يرد ما ينسخه؛ ممَّا يدلّ على أنه إذا لم تكن الغاية والعلّة في التماثيل محرمةً كاتخاذها للعبادة ونحوها فلا تحرم، ويؤكد صحة التخصيص بالمعنى المستنبط ما ذكره العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (22/ 162، ط. الدار التونسية للنشر) حيث قال: [والتمثال هو الصورة المُمَثلة؛ أي: المُجَسمة مثل شيء من الأجسام، فكان النَّحَّاتُون يعملون لسليمان صورًا مختلفة كصور موهومة للملائكة وللحيوان مثل الأسود، فقد كان كرسي سليمان محفوفًا بتماثيل أسود أربعة عشر.. ولم تكن التماثيل المُجَسّمة محرمة الاستعمال في الشرائع السابقة، وقد حرمها الإسلام؛ لأن الإسلام أمعن في قطع دابر الإشراك، لشدّة تمكن الإشراك من نفوس العرب وغيرهم، وكان معظم الأصنام تماثيل، فحرَّم الإسلامُ اتخاذها لذلك، ولم يكن تحريمُها لأجل اشتمالها على مفسدة في ذاتها، ولكن لكونها كانت ذريعة للإشراك] اه.

وقد انتفت هذه العِللُ التي كانت سببًا للتحريم ولم تَعُد التماثيل والأصنام تُعْبَد في هذه الأيام لا سيما في بلاد الإسلام، فيجوز اتخاذ التماثيل والأصنام؛ لأنه من المقرر أنَّ "الأحكام تدور مع العلل وجودًا وعدمًا".

ويدلّ على تخصيص العموم كذلك ما روى البخاري رحمه الله في "صحيحه" عن هشام عن أبيه أن السيدة عائشة أمَّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: "كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي"؛ قال الإمام البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22/ 170، ط. دار إحياء التراث العربي): [واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور اللعب من أجل لعب البنات بهن، وخُصَّ ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدربهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن] اه. ومن ثَمَّ استثنى الفقهاء من حرمة التماثيل ما كان فيه مصلحة: كلعب الأطفال، ووسائل الإيضاح في التعليم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرَّ وجود العرائس عند السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

الخلاصة
بناءً على ذلك: فإنه يجوز أن تُصنع التماثيل، وأن تُستخدم، وأن تُباع، وأن تُشترى؛ خاصة أنها قد انتفى عنها مضاهاة خلق الله، بشرط أن لا يُقْصَد بها العبادة والتقديس، ولا تُصْنَع لغرض مُحَرَّم، ولا سيما إنْ قُصِد بها غرض صحيح: من تَعلُّمٍ، أو تأريخٍ، أو زينةٍ، أو غيرها من الأغراض المباحة في الشريعة، سواء أكانت كاملة أو غير كاملة، على الحجم الطبيعي للإنسان أو لا، قُصِد به ذوات الأرواح، و وغيرهم أو لا، وعليه فلا تَحْرُم إقامة المتاحف ووضع هذه التماثيل فيها للأغراض السابقة أو غيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.