مات شقيقان فى يوم واحد. فقال السيد المسيح عليه السلام: احدهما فى الجنة والآخر فى النار! ففزع الحواريون لأن الذى دخل الجنة كان يقضى ليله سكيرا بينما الذى دخل النار كان عابدا يقضى الليل قائما يصلي! سأل الحواريون عيسى عليه السلام تفسيرا فقال: اسألوا زوجتيهما كيف كانت حياتهما! فذهبوا لزوجة الذى دخل الجنة فقالت: كان يقضى نهاره فى معارك الحياة والناس وكان يقضى ليله يشرب حتى الثمالة! «الا أنه» كان فى نهاية الليل يبكى بحرقة فأسأله: ماذا يبكيك يارجل؟ فكان يغضب وينهرنى ويشتمنى ويقول: ألا تدرين يا امرأة أن مصيرى إلى النار.. افلا يستحق هذا المصير أن ابكى أتستكثرين بكائى على مصيرى الأسود ونهايتى المشئومة حين ألقى الله؟ فقد كان متيقنا بالحياة الآخرة، وبالجنة والنار ويوم الحساب.. ولهذا أدخل الجنة رغم ظاهره غير المتدين ورغم ادمانه الخمر! وذهب الحواريون إلى زوجة شقيقه المتعبد فقالت: كان يقضى يومه فى عمل الخيرات ومساعدة الناس وكان يقضى ليله قائما يتعبد «إلا إنه» كان يقول لى قبل أن يخلد إلي نومه: طوبى لنا يأم فلان طوبى لنا «أى بشري» لو كان ما جاء به عيسى هو الحق من عند الله- يقصد الإنجيل! وقد أدخل النار بسبب كلمة «لو» ولشكه فى الآخرة والجنة والنار وبالتالى لشكه فى وجود الله! وكلنا نعرف قصة المرأة التى عاشت فى الخطيئة، ورغم ذلك دخلت الجنة لأنها سقت كلبا بعدما ملأت حذاءها بالماء من بئر حين رأت الكلب يلعق رمال مبللة بالمياه بجوار البئر! ونعرف كذلك قصة المرأة التى دخلت النار لأنها حبست قطة لم تطعمها ولم تسقها حتى ماتت! أما المرأة التى دخلت النار فربما كانت متعبدة واما التى دخلت الجنة فالمؤكد أنها لم تكن متعبدة ولا كانت متدينة ولا كانت تصلي، لكن فطرتها الإنسانيةكانت سليمة وكان قلبها رحيما وتلك هى خلاصة الدين! والمعنى يمكن استخلاصه من الحكمة الشعبية المتوارثة على ألسنة بسطاء الناس« ربنا رب قلوب» وقد قال الله تعالى فى محكم آياته: «فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور» وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن هناك من سيدخلون الجنة بغير حساب لمجرد أن قلوبهم رقيقة كقلوب الطير، ولم يخبرنا النبى إنهم كانوا متعبدين ولا قائمين الليل ولم يخبرنا بأشكالهم ولا بأزيائهم، وإنما بقلوبهم الرقيقة كقلوب الطير! ما احوجنا فى هذه الأيام لمراجعات لخطابنا الدينى المروع والمخلوط بالسياسة ومراجعة ثقافتنا الدينية الشكلية المتخلفة التى توقفت عند حف الشوارب واطلاق اللحى وتقصير الجلباب! لقد كان أكثر الناس نفاقا فى مطلع الإسلام أكثرهم تظاهرا بالتدين وأطولهم للحي، ومنهم من خرجوا مع رسول الله يقاتلون الكفار ليكونوا شوكة فى ظهره وقد سماهم الله سبحانه وتعالى للنبى وحددهم له بالاسم وكان عددهم 17 منافقا على رأسهم الصحابى عبدالله بن سلول! ويقول المتنبى: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم وتطلقوا لحاكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم! أن غاية الدين هى التسامح والرحمة مع عباد الله ومخلوقاته، وليس غاية الدين هي المغانم والمناصب والتكالب على السلطة. ومن الناس من لم يصلوا لغاية الدين رغم الصلاة والعبادة وطول اللحي! ومنهم من بلغوا الغاية من دون تدين شكلى وبغير مشقة ومن دون لحى طويلة وجلاليب قصيرة! بل إن أول من يدخلون النار علماء دين ومشايخ وأئمة مكفراتية أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.. لكنهم سعوا لمناصب ومغانم، ونافقوا الحكام وباعوا فتاواهم للسللاطين وقالوا ما لا يفعلون!