قبل مئة عام وتحديدًا في يوليو خرج آلاف الأمريكيين من أصل إفريقي في مشهد فريد وقتئذ للمطالبة بحقهم في الحياة، ورغم أن المسيرة أثارت ضجة داخل الولاياتالمتحدة وخارجها كونها كانت أحد الفصول المهمة في طريق الحرية من التعبيد، إلا أنها سميت " بالاحتجاج الصامت" تلك التي ارتدت فيها النساء الأبيض وارتدى الرجال الأسود ولم يسمع لها في شوارع نيويورك سوى صوت الخطوات ونحيب صامت لبعض المشاركين. قرن من الزمن على المسيرة التي اعتبرت أول احتجاج صامت في التاريخ الحديث، لتظل إيقونة فريدة لمثلها من الاحتجاجات، والتي كان آخرها خلع فتاة إيرانية حجابها وسط العاصمة طهران مطالبة بالحرية معترضة على قبضة السلطة والتشدد المفروض على المرأة داخل الجمهورية الإسلامية.
ووسط صمت رهيب، صعدت فتاة عشرينية على أحد جسور ميدان شارع الثورة، لتعلن رفضها ومقاومتها لتمييز النظام الإيراني ضد المرأة ملوحة بحجابها على عصا للاحتجاج، مطالبة بالحرية في ارتداء الملابس. وكان للمرأة الإيرانية تاريخ طويل مع مقاومة التمييز والمطالبة بالمساواة في المجتمع مع بدء الثورة الدستورية عام 1905، ولا تزال تحارب من أجل الحصول على حريتها والخروج من قبضة السلطة وهو ما ظهر في الإشادة الواسعة من قبل الناشطات الإيرانيات بالخطوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدات أن "الثورة ضد غطاء الرأس مستمرة".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تحتج فيها المرأة الإيرانية على وضعها الحقوقي حيث كانت السادسة في تعداد من رفعوا نفس المطالب، فالبداية جاءت عندما أطلقت ويدا موحد التي أصبحت "رمزًا للاحتجاجات ضد غطاء الرأس" حملة ضد قانون يجبر النساء على ارتداء الحجاب في الشوارع، وذلك بعد احتجاجها منفردة خالعه الحجاب وسط طهران، الأمر الذي أدى إلى اعتقالها لمدة ما أحدث صدى في عموم إيران، خاصة أنها جاء تزامنا مع سلسلة احتجاجات شعبية ، قبل أن تفرج السلطات عنها الأحد الماضي.
ولكن يبدو أن إطلاق سراح ويدا موحد لم يهدأ من ثورة "خلع الحجاب" كما أطلق عليها ، حيث انتشرت موجة لجوء الفتيات لخلع الحجاب بعد انطلاق الشرارة كشكل من أشكال التحدي للقبضة السلطوية، التي تفرض الحجاب بقوة القانون منذ عام 1979، ففي شارع الفردوسي الذي يشهد زحامًا تكرر المشهد مرة أخرى حيث أعتلت شابة أحدى مصاطب الشارع ملوحة بحجابها وسط تفاعل المارة معها، ورغم برودة الطقس ووصول درجة الحرارة إلى تحت الصفر في محافظة أصفهان إلا أن الأخيرة سجلت حالة مماثلة لفتاة خرجت لتعترض في صمت.
هذا الاحتجاج لم يقتصر على المعارضة فقط بل أيده قطاع كبير من أبناء الشخصيات الدينية التاريخية في إيران التي دائمًا ما تقف وارء تشديد قبضة النظام على الحريات وخاصة المرأة، حيث خرجت الناشطة الحقوقية فائزة هاشم رفسنجاني ابنة رئيس تشخيص مصلحة النظام الراحل على أكبر هاشمي قائلة في مقابلة لها إن " قانون الحجاب الإجباري غير مثمر كقانون حظر حجاب وكلاهما أفرزا نتيجة عسكية".
في الكثير من الدول جلبت المعارضة الصامتة أو ما عرف بالاحتجاج الصامت الكثير من النتائج الإيجابية، التي ظلت مؤثرة في حياة من أطلقها اذا كان على أساس عرقي كما حدث في الولاياتالمتحدة، أو المطالبة بالحرية كما رأينها في الكثير من الدول ، وفي حين نجحت الرسومات الجرافيتي على مر العقود الأخيرة، لأن تكون تعبير عن الاحتجاج الصامت، ومجال خصب من أجل "التنفيس" عما يخبئه القلب والنفس، أصبح خلع الحجاب في إيران ايقونة جديدة تعبر عن المطالبة بحرية المرأة ورفض التقييد والتشديد السلطوي عليها الذي بدأ في الظهور منذ 4 قرون.