هنا في سجن طرة يموت الناس بالعشرات كل شهر بسبب تفشي الأمراض المعدية · هل يعلم وزير الداخلية شيئاً عن عقود صفقات الأغذية التي تورد للسجون؟! هل فكر حبيب العادلي وزير الداخلية أن يقوم بزيارة مفاجئة للسجون، ليطلع بنفسه علي مايحدث ومايدور بداخلها.. هل قرر ذات يوم أن يراعي ضميره، وأن يترك مكتبه المكيف، وأن يتخلي عن التقارير التي تصله عن حالة السجون وأوضاع المساجين، ويذهب بنفسه ليتأكد من أن حقوق الإنسان لاتهدر داخل سجون وزارته؟ أنا لا أعتقد أن «العادلي» وهو وزير داخلية لأكثر من 11 عاما قد قام بزيارة سجن واحد، أو حاول أن يتأكد من أن المساجين لهم حقوق يجب أن يحصلوا عليها كما قال القانون والدستور الذي حلف هو عليه اليمين عندما تولي الوزارة! في الاسبوع الماضي، قمت بزيارة لسجن طرة.. وهناك شاهدت وسمعت مالم أكن أتوقعه في حياتي.. الصورة التي يشاهدها الناس في أفلام السينما ومسلسلات التليفزيون عن المساجين الذين يرتدون ملابس نظيفة وأنيقة، وينامون علي أسرة، هي من خيال المخرجين فقط.. أما الصورة الحقيقية فهي سوداء وقاتمة ومرعبة.. هنا في سجن طرة لا كرامة لإنسان.. هنا في سجن طرة تمارس أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، من يعترض أو يطالب بحقوقه كسجين تقيد قدماه بالسلاسل الحديدية، يودع في الحبس الانفرادي، يتعرض للإهانة والضرب والجلد..هنا في سجن طرة يموت الناس بالعشرات كل شهر بسبب تفشي الأمراض المعدية وانعدام التهوية وشدة القذارة وانهيار مستوي العلاج.. هنا في سجن طرة لا اعتراف بالإفراج الصحي، ولا اعتراف بحقوق السجين، ولا اعتراف بالقوانين والمواثيق المحلية والدولية لحماية السجناء من بطش السلطة. عنبر واحد مثل عنبر «2» يضم 600 سجين.. لاينامون علي أسرة، بل ينامون علي الأرض فوق بعضهم البعض.. من يدفع المعلوم يحظي ب«شبر أرض» يستطيع أن يتقلب فيه علي جانبيه.. أو يحجز له مكانا ملاصقا لجدار العنبر أو الزنزانة!!.. سجون مصر مكتظة بالمساجين وتضم أضعاف طاقتها عشرات المرات، مما جعلها أكبر مزارع لإنتاج ونقل العدوي في مصر.. وهذا يمثل خطرا جسيما علي المجتمع كله. ثم أسأل حبيب العادلي وزير الداخلية.. هل تعلم شيئا عن عقود صفقات الأغذية التي تورد إلي السجون.. وهل تعلم حجم العمولات التي يحققها لواءات وزارة الداخلية من هذا البيزنس؟!.. أقول لحبيب العادلي إن معظم الأغذية من لحوم وجبن وعدس وحلاوة والتي تورد إلي السجون ويأكلها المساجين إما فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات. وأسأل حبيب العادلي: هل يعني حرمان أي إنسان من حريته وإيداعه داخل أسوار السجن، تنفيذا لعقوبة صدرت ضده لارتكابه جريمة ما، أو كتدبير وقائي الهدف منه حماية المجتمع من خطورته الإجرامية.. هل معني ذلك أن يحكم عليه بالموت، أو تهدر كرامته وآدميته.. إن مايحدث في سجون حبيب العادلي هو أشبه بما كان يحدث في سجون العصور الوسطي، حيث كان الاعتقاد السائد أن المجرم أو المسجون يختلف عن الإنسان العادي، فهو شرير بطبعه، تجرد من إنسانيته وغدا وحشا غير آدمي، لذلك غلب علي معاملته طابع القسوة والتنكيل. أما النظريات الحديثة فإنها تنادي بأن إصلاح الإنسان السجين وإعادة تأهيله لايكون بتجريده من الشعور بإنسانيته، وإنما يكون بتقوية وتعميق هذا الشعور لديه. إن سجون حبيب العادلي تحولت إلي سلخانات، تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي علي يد زبانية وزارة الداخلية.. ومن ثم فإن استمرار تبعية السجون لوزارة الداخلية، وضعف الإشراف والرقابة من قبل الجهات القضائية المختصة، يعد من أهم العوامل التي تساعد علي ممارسة انتهاكات حقوق الانسان داخل السجون المصرية، لذلك ينبغي نقل تبعية السجون من وزارة الداخلية إلي وزارة العدل، وكفالة حق الادعاء المباشر لضحايا جرائم التعذيب.