أحداث فيلم «دكان شحاتة» تمتد زمنيا منذ اغتيال الرئيس السادات عقب اعتقاله ل 1500 سياسي ومعارض علي يد الجماعات المتطرفة، وحتي 2013 وهو العام الذي يري المخرج خالد يوسف أنه سوف يري «ثورة التوك توك» التي يقودها المتطرفون والبلطجية والجياع!. تقوم معالجة قصة «دكان شحاتة» علي خط سياسي مواز لحكاية «حجاج» الرجل الصعيدي وأولاده، والذي جاء إلي القاهرة ليعمل بوابا في خدمة أحد أثرياء حي المعادي، وهذا الثري بالصدفة من أسرة رأسمالية عريقة فقدت معظم ثروتها بعد تأميمات ثورة يوليو، ولأنه رجل سياسي ومفكر فإنه لم يغضب من الثورة وأصبح شيوعيا أو اشتراكيا ولكنه معارض «عبدالعزيز مخيون»، وبحكم هذا التوجه الجديد الذي أصاب الرأسمالي السابق، يقرر أن يمنح البواب الصعيدي «محمود حميدة» جزءا من الحديقة الممتدة أمام فيللته، والتي يتعارك عليها أولاد الصعيدي بعد ذلك بوصفها ميراثهم، ويقررون بيعها لسفارة أجنبية بمليون جنيه! ورغم أن حدوتة الصعيدي وأولاده «المأخوذة من قصة سيدنا يوسف»، تصور الصراع بين الأولاد «طلب وسالم ونجاح وشحاتة» علي الميراث، والانتقام من الأخ الأصغر شحاتة «عمرو سعد» لأن الأب كان يفضله عليهم من ناحية، ولأنه ابن الزوجة الثانية التي تزوجها الأب بعد «خيانة» الزوجة الأولي له، ولأن «شحاتة» يرفض بيع الأرض التي عليها «دكان» الفاكهة الذي يحمل اسمه تخليدا لذكري والده، فإنهم يتآمرون عليه ليسجن بتهمة التزوير، وبعد خروجه من السجن يسعي للعودة لإخوته، ولكن شقيقه الأوسط سالم «محمد كريم» الذي تزوج حبيبته «هيفاء وهبي» يقتله، لتحدث الثورة، وتسود الفيلم في آخر مشاهده حالة من الفوضي والعراك الدموي الذي يظهر فيه البلطجية بقيادة «البرص»، والجماعات المتطرفة «!!»، والجياع. الفيلم ميلودراما تقليدية للصراع بين الإخوة علي الميراث، وصراع شقيقين علي حب فتاة.. فما الذي أقحم السياسة في الأحداث؟!. انها هواية خالد يوسف المفضلة في أفلامه الأخيرة، فهو يري علاقة ربما لا نراها نحن!.. فمثلا هو يجعل مولد الأخ «شحاتة» في نفس يوم مقتل الرئيس السادات.. ويجعل دخول شحاتة السجن في نفس يوم «وقفة القضاة الاحتجاجية».. ويجعل يوم حريق قصر ثقافة بني سويف في نفس يوم موت الأب، وهكذا.. وطبعا خالد يوسف حر في أن يفعل ما يشاء، ولكن لابد أن تكون هناك علاقة بين الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وقعت في مصر، وبين الحدوتة الدرامية حتي يصبح للفيلم معني، وحتي يكون له هو شخصيا رؤية يريد أن يطرحها.. وهنا الصراع داخل الأسرة لا يتأثر بما يحدث خارجها في المجتمع.. لذلك تأتي نهاية الفيلم شديدة الغرابة، فما الذي يجعل المجتمع كله أو علي أقل تقدير من فيه من بطلجية ومتطرفين وفقراء يتقاتلون لأن الأخ شحاته قد مات أو قتل؟!. وإذا كان خالد يوسف قد التزم طوال الأحداث بطرح أحداث سياسية واجتماعية لتحديد «الزمن» الذي يعيش فيه ال«حجاج»، فإنه في مشهد النهاية يستقرئ المستقبل ويقفز إلي عام 2013، ليعلن الثورة، والتي تبدأ بمقتل «شحاتة»، ووقوع حالة فوضي حيث يأتي البلطجية والمتطرفون وهم يحملون الأسلحة البيضاء والسنج، ويركبون الموتوسيكلات و«التوك توك»، لتكون معركة النهاية الغنائية «أقصد تتابع مشاهد الفوضي مع الأغنية الختامية للفيلم». وأعتقد أن ذكاء وزارة الداخلية والجهة السيادية التي تحدث عنها خالد يوسف، والتي وافقت علي عرض الفيلم كاملا، أرادت أن تفوت علي المخرج الشاب ادعاء بطولة ليس لها محل من الاعراب في الفيلم.. فنحن أما ميلودراما تقليدية وفقيرة تتخللها إفيهات ضاحكة لبلطجي الميكروباصات «عمرو عبد الجليل»، والذي يحمل اسما علي مسمي بالفيلم «غباوة»!.. وما السياسة في «دكان شحاتة» سوي مجموعة مانشيتات صحفية بهدف تحديد زمن الأحداث بالفيلم وليس بهدف تقديم رؤية أو فيلم سياسي عن مصر في الثلاثين سنة الأخيرة والسنوات القادمة. وبعد.. مازلت أظن أن المخرج خالد يوسف الذي قدم 5.8 فيلم خلال 8 سنوات «وضع اسمه مع يوسف شاهين في فيلم«هي فوضي» بالاضافة إلي 8 أفلام من إخراجه»، يملك مقومات مخرج مغامر وجريء، ومن الممكن أن يكون مفيدا للسينما المصرية، ولكن عليه أن يبتعد عن الدعاية المبالغ فيها، والادعاء بأنه في معركة دائمة مع الرقابة حتي يتفرغ لفنه، ويتعامل مع القضايا التي يطرحها بعمق أكبر وأنضج بعيدا عن البحث عن النجاح الاستهلاكي جماهيريا وفنيا.