حكومات مصر علي تعاقبها لها تفانين وبدع في إذلال الناس!، وكل من له حاجة عند الحكومة أبدا لا يحصل عليها بالساهل حيث يرتفع شعار «وجع ساعة ولا كل ساعة»! فعندما تجأر الناس بالشكوي - مثلا - من فساد أنابيب الغاز وصلاحيتها للانفجار في أي وقت!، يصبح وصول الغاز الطبيعي إلي مساكن الناس غاية المني!، وتداوم شركات التركيب في جميع المناطق علي نوع من الدلال السخيف علي هؤلاء الذين يتمنون منها الرضا لعلها ترضي، ولكنها تظل ملوحة بتركيب الغاز دون أن يحصل!، حتي إذا دقت «ساعة العمل الفوري» بتوصيل الغاز فاجأت الشركات الناس برسوم تصل إلي ثلاثة أضعاف ما كان عليه التركيب من قبل!، والدفع فوري ناجز لا يحتمل التأجيل، ومن ليس معه فلا غاز له!، اللهم إلا إذا تلطفت الشركات فاقترحت علي «المترقبين لحظة الشفاء» من بلاوي الأنابيب أن يكون دخول الغاز لهم بالتقسيط!، بفوائد مقررة ترتفع بالرسوم إلي سقف يعجز الناس فيفضل بعضهم عدم الاشتراك في تركيب الغاز!، والبقاء بالأنابيب مع تحوط ملفق لعدم انفجارها فمنهم من تنفجر فيه!، ومنهم من ينتظر أنبوبة قادمة لاريب في انفجارها حيث هذا قد أصبح المعتاد!، ومادمت قد نشدت الغاز فعليك بالحلاوة لشركات التركيب! التي ابتكرت لنفسها عقود إذعان - مثلها مثل الكهرباء والتليفون والمياه - «إن كان عاجبك»! وهكذا يصبح المن وما يرافقه من الأذي قاعدة حكومية ثابتة تلتزم بها كل حكومة مصرية تجاه جميع المواطنين بلا تفرقة أو تمييز إلا فيما ندر!. وتتسع قاعدة المن والأذي لتصبح مستفزة عندما يأتي الحديث عند حلول المناسبة السنوية للعلاوة!، فهل رأيتم كيف أن الحكومة بادرت من جهتها بإعلان أن العلاوة لن تزيد علي 5%، فارتفع صراخ الناس وعويلهم - خاصة أرباب المعاشات - باعتبار أن النسبة لا تساوي غير «كارت» شحن محمول من الحجم الصغير!، لكن الحكومة تركت الناس غارقة في صراخها وعويلها حتي بحت الأصوات وانقطعت الأنفاس وأعربت الجماهير عن احتقارها لهذه العلاوة التي تحمل إليهم في كل عام المن والأذي دوريا!، فلما أيقنت الحكومة أنها قد أزهقت أرواح الناس!، أحبت أن تظهر بأنها لن يضام لها مواطن ممن أصبحوا جميعا - أو أوشكوا - أن يكونوا زبائن «دكان شحاتة»!، فخرجت الحكومة علينا بزينتها وتاج رأسها ليعلن اعلامها أن الرئيس قد أمر بأن تزاد العلاوة إلي 10%، حتي تثق الناس بأن ما يمسها من الضر يأتي من الحكومة!، وما يصيبها من خير فمن الرئيس رأسا! والحكومة في كل ذلك ملتزمة بقاعدة المن والأذي في كل ما تتفضل به علي الناس!، فهي قد أبدت مدي العناء الذي تعانيه من كثرة الالتزامات وقلة الإمكانيات في مشقة النفقة التي تتكلفها علاوة الملاليم للملايين التي ضاقت بها سبل الحياة!، ولكنها تعرف أن الملاليم التي منحتها للناس بالمني والأذي والبهدلة وقلة القيمة سوف تستردها حتما برسوم جديدة أو محنة مما يشاركها فيه وحوش السوق!، فأسعار كل شيء تلتهب فور إعلان نسبة العلاوة! وقد لاحظت أن المن والأذي مما ترفضه الأديان السماوية لم يستفز أحدا من أصحاب الفتاوي علي مدار ساعات اليوم لكي يسأل الحكومة تخفيف منها وأذاها الذي يصاحب كل «مكرمة» حكومية - علي تفاهتها - حتي تحافظ علي كرامات الناس فلا تجرح مشاعرهم ولا تعذبهم بعطاياها السنوية التي أصبحت مدعاة لضيق الناس!، هي فتوي - كما نري - ليست في حاجة إلي ابتداع أو اجتهاد بل هي من صميم الدين!