شهدت جلسات لجنة التحكيم في مهرجان جمعية الفيلم تطبيقاً رائعاً لمبدأ الديمقراطية حيث تبدأ المناقشات المفتوحة للجميع وبعد ذلك إذا لم يتفق الأعضاء علي رأي يصبح الحل هو اللجوء إلي أبغض الحلال وهو التصويت. أمس كان الموعد مع توزيع جوائز مهرجان جمعية الفيلم التي تحمل رقم 38 فهو ثاني أقدم مهرجان سينمائي في مصر سبقه المهرجان الكاثوليكي.. رأس لجنة التحكيم في هذه الدورة المخرج الكبير "توفيق صالح" وشارك في عضوية اللجنة أكثر من عشرة سينمائيين يمثلون مختلف التخصصات وكان كاتب هذه السطور واحداً من أعضاء هذه اللجنة. حصلت "هند صبري" أخيراً علي جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "أسماء" وبإجماع كل الآراء.. سبق أن خَذلت في أكثر من مهرجان لجان التحكيم "هند صبري" حيث إنها تخطتها الجائزة في شهر أكتوبر الماضي أثناء إقامة مهرجان "أبو ظبي" السينمائي وبعدها شارك الفيلم قبل نهاية شهر ديسمبر في مهرجان "وهران" بالجزائر وسط ترقب كبير بأن الجائزة من نصيب "هند صبري" إلا أن ما حدث هو أن الجائزة للمرة الثانية أخطأتها وهكذا جاء إنصاف جمعية الفيلم لهند صبري وهو يشكل أهمية خاصة نظراً لأن "هند" قدمت بالفعل دوراً استثنائياً و كانت قادرة فيه علي التقمص بالصوت والحركة والتفصيلة الموحية لمريض الإيدز.. مخرج الفيلم "عمرو سلامة" حصل علي جائزة العمل الأول كما أن تصديه لتقديم فيلم يتناول مريض الإيدز استحق عنه جائزة أفضل سيناريو لصعوبة السرد السينمائي حيث كان عليه أن ينتقل بين أكثر من زمن لأن الفيلم يروي أكثر من حكاية تتشعب في خطوطها الدرامية.. وربما كان الخطأ الذي وقع فيه الفيلم هو حالة التناقض بين الفكرة التي يتبناها الفيلم والوسيلة التي لجأ إليها لإيصال تلك الفكرة حيث إنه يدعو أبطاله إلي التعاطف مع البطلة المريضة بالإيدز بدون أن يعرفوا مسبقاً هل هي أصيبت بعد أن ارتكبت خطأ أخلاقيا أم أنها أصيبت بالمرض عن طريق علاقة شرعية مع زوجها.. تعمد المخرج أن يكسب تعاطف الجمهور بعد أن حرص علي أن يخبر الجمهور بأن البطلة أصيبت بالمرض عن طريق زوجها الذي حمل فيروس مرض "نقص المناعة" أثناء قضائه فترة العقوبة في السجن بينما هي لم تتركب أي خطأ أخلاقي يشينها وهكذا تناقض الفيلم بين المعني والمبني. ومن الجوائز التي حظيت بدرجة قبول عالية في المهرجان جائزة أحسن ممثل لأحمد حلمي عن دوره في فيلم "إكس لارج" برغم أننا في أغلب مشاهد الفيلم لا نري وجهه حيث اختفي خلف الماسك الذي تمت صناعته علي ملامح الوجه لتبقي لعينيه وصوته قوة التعبير وهكذا جاءت له هذه الجائزة لتؤكد أنه نجم الشباك في السينما المصرية بالأرقام ولكن هذا لم ينف أن بداخله ممثل متمكن.. كما حصل "إبراهيم نصر" علي جائزة خاصة في التمثيل عن نفس الفيلم والمعروف أن "إبراهيم" ابتعد نحو 8 سنوات عن الشاشة بعد أن كان واحداً من أهم نجوم برامج المقالب "الكاميرا الخفية" في شهر رمضان إلا أنه ظل في حالة خصام سينمائي ليعود في هذا الفيلم الذي أخرجه "شريف عرفة" في دور هام ومؤثر وهو خال البطل ملأه دفئاً ومشاعر.. كما حصلت الوجه الجديد "ميرهان" علي جائزة الدور الثاني عن فيلم "الشوق" الذي أخرجه "خالد الحجر" الفيلم سبق حصوله علي جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة وتم ترشيحه بين كل الأفلام المصرية للتسابق علي جائزة أفضل فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار إلا أن البناء الفني لفيلم "الشوق" كان صاخباً في كل تفاصيله كسيناريو وأداء الممثلين شاب أغلبهم المبالغة وبينهم بطلة الفيلم "سوسن بدر" التي سبق وأن حصلت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي علي جائزة أفضل ممثلة ولم يكن الفيلم في واقع الأمر يستحق تلك الحفاوة التي قوبل بها في مهرجان دولي مثل القاهرة ولكن لا شك أن "ميرهان" استحقت الجائزة فكانت هي بالفعل بمثابة حسنة قليلة بأداء تلقائي بلا أي تصنع في فيلم كان رهانه الأكبر علي الصخب. حصل "ميكروفون" علي جائزة أفضل فيلم إخراج "أحمد عبد الله" سبق لهذا الفيلم أن فاز بجائزة "التانيت" الذهبي لمهرجان "قرطاج" في دورته الأخيرة التي أقيمت في 2010 لأول مرة تحصل السينما المصرية علي جائزة "التانيت الذهبي" حيث إن المهرجان يعقد مرة كل عامين وهي السابقة الأولي للمهرجان العريق الذي بدأ عام 1966 فهو أقدم مهرجان دولي عربي.. سبق أن حصل المخرج المصري "توفيق صالح" علي جائزة "التانيت الذهبي" عن فيلم "المخدوعون" ولكن الفيلم يمثل السينما السورية وليست المصرية لأنه من إنتاج مؤسسة السينما السورية كما أن "يوسف شاهين" حصل علي "التانيت" عن مجمل أعماله في "قرطاج" وليس عن فيلم محدد وهكذا تصبح هناك خصوصية لفيلم "ميكروفون" في تلك الجائزة التي حصل عليها من جمعية الفيلم بعد جائزة "قرطاج" والفيلم يمثل في حقيقة الأمر حالة صادقة لما يعرف الآن في مصر بالسينما المستقلة.. الميزانية محدودة والتصوير "ديجيتال" وأغلب المشاركين ممن يقفون لأول مرة أمام الكاميرا ولا يوجد في الفيلم ما يعرف بسطوة سينما النجم برغم مشاركة "خالد أبو النجا" في التمثيل والإنتاج ولكن المخرج في النهاية هو صاحب القرار فهو فيلم ينتمي إلي مخرجه وليس إلي نجمه.. كما حصل "ميكروفون" أيضاً علي جائزة الإخراج لأحمد عبد الله وهي جائزة مستحقة للمخرج الذي استطاع أن يحافظ علي درجة عالية من الهارمونية بين أداء الممثلين الهواة وأداء المحترفين. الفيلم الذي خرج خاوي الوفاض من الجوائز هو "كف القمر" لخالد يوسف فلم ينل لا جائزة ولا تنويه ربما فقط تردد اسم البطلة المساعدة "غادة عبد الرازق" للتنافس علي الجائزة في التمثيل للدور الثاني ولكن في النهاية كانت الجائزة من نصيب "ميرهان" بأغلبية الأصوات. أما جائزة التجديد فلقد كانت لصالح المخرج "إبراهيم بطوط" عن فيلمه "حاوي" وهو الفيلم الذي حصل علي جائزة أفضل فيلم عربي من مهرجان "الدوحة ترايبكا" في الدورة قبل الأخيرة التي أقيمت في عام 2010 ويعتبر "بطوط" الذي أخرج من قبل فيلمي "إيتاكي" و "عين شمس" هو أكثر مخرجي السينما المصرية جنوحاً للتجديد ويعزي إليه خوض العديد من المعارك الشرسة مع الرقابة قبل الثورة لتأكيد مشروعية السينما المستقلة التي لا تعتمد علي السيناريو المكتوب بكل تفاصيله مسبقاً حيث إنه يترك مساحات من الإضافة للممثلين للارتجال أمام الكاميرا وفي فيلم "حاوي" تحديداً كانت مساحة الارتجال بهامش ملحوظ لكل الشخصيات وهذه النقطة كانت مثار جدل في لجنة التحكيم نظراً لزيادة مساحة التلقائية إلي درجة أن المشاهد من الممكن أن يعتقد أن لحظات الصمت غير المبرر درامياً هي لحظات مقصودة لذاتها برغم أنها فقط جزء من الطبيعة البشرية.. المخرج قدم في فيلمه ما يمكن أن نعتبره قطعة من الحياة بدون أن يضعها في كادر من أجل التركيز والحذف وكان ينبغي في لحظات حتمية أن يتدخل بالتوجيه ورغم ذلك فلم يكن من الممكن أن تغفل لجنة التحكيم أن الفيلم لديه منطق خاص في التجديد وهكذا تم منحه هذه الجائزة التي تحمل اسم الناقد الكبير الراحل "سامي السلاموني" الذي كان واحداً من أكثر نقاد السينما علي مستوي العالم العربي دعوة لمناصرة التجديد. ويبقي فيلم "المسافر" الذي أنتجته وزارة الثقافة المصرية في عهد الوزير الأسبق "فاروق حسني" وبلغت ميزانيته 22 مليون جنيه وهو رقم مبالغ فيه تماماً لا يتناسب مع حالة الفيلم.. شارك "المسافر" عام 2009 في مهرجان "فينسيا" داخل المسابقة الرسمية إلا أنه حظي بأكبر قسط من النقد وجه إلي عمل فني في السنوات الأخيرة وبدأت الشرارة الأولي من بطل الفيلم "عمر الشريف" عند العرض في مهرجان "فينسيا" فلم ينتظر نهاية العرض بل واجه الفيلم بطلقات غاضبة ضد مخرج الفيلم " أحمد ماهر" وضد البطل المشارك "خالد النبوي".. فيلم "المسافر" تم إنتاجه لأسباب شخصية جداً عندما أراد الوزير مجاملة بطل الفيلم "خالد النبوي" وتمت الموافقة علي أن تنتج الدولة هذا الفيلم وظلت وزارة الثقافة مترددة في عرضه علي مدي عامين ليعرض جماهيرياً في العام الماضي محققاً فشلاً ذريعاً مع الناس وشارك في العديد من المهرجانات وكان أيضاً يلاحقه الفشل ثم في نهاية الأمر حصل في مهرجان جمعية الفيلم علي جائزتي الأفيش والملابس فقط لا غير وهما جائزتان هامشيتان تؤكدان أن التساؤل لا يزال قائماً وهو المسافر لماذا؟ وكيف بددت وزارة الثقافة المصرية أموالها في هذا الفيلم المتواضع . ججمعية الفيلم التي تحظي بأكبر درجة من المصداقية بين السينمائيين علي مدي 38 عاما استطاعت بجوائزها في هذه الدورة ان تقول الكثير انصفت افلاما ، وفضحت افلاما !! . نشر بتاريخ 19 /3/2012 .