ويبقي السؤال: «صياد اليمام» ضحية من؟.. اسلوب الانتاج السائد، أم الاحتكار الذي يسيطر علي التوزيع، أم ديكتاتورية أصحاب صالات العرض، أم جبروت المحطات الفضائية التي أصبحت لها اليد العليا في شراء الأفلام.. أخطاء وخطايا وسوء حظ واشياء أخري حالت دون الاستمتاع بفيلم «صياد اليمام».. فقد خرج العمل ككل أشبه بالكلمات المتقاطعة، ما أن تسعد باكتشاف شخصية أو معني حتي تصطدم بفاصل أو مربع أسود يجعلك تهرب من الأفقي إلي الرأسي لتتعرف علي كلمة أخري تمثل عنوانا أو شخصية أو رؤية، مما يعوق الاسترسال الدرامي للأحداث من ناحية، وعدم التجاوب والتعاطف مع الشخصيات من ناحية أخري، رغم ثراء وطزاجة الشخصيات التي كتبها الأديب البارع إبراهيم عبد المجيد، والمعالجة المتميزة للسينارست علاء عزام التي جمعت بين الراوي والفلاش باك والحدث المعاصر. وقبل أن نتحدث عن الفيلم نفسه، فإنه من الضروري أن نتوقف أمام: كيف تمت «صناعة» هذا الفيلم؟.. لأنه ببساطة يعد «نموذجا» جيدا جدا لكل ما نكتب عنه منذ سنوات طويلة من جوانب الخلل في صناعة السينما في مصر، بداية من كيفية انتاج فيلم سينمائي مرورا بالاحتكار في سوق التوزيع حتي نصل إلي سيطرة أصحاب دور العرض في منح الفرصة كاملة لعرض فيلم ما أو طرده وهو وليد في أسبوعه الأول!. ولأن الدعاية والاعلان هما الوسيلة الأخيرة لجذب المشاهدين لفيلم ما، وبالتالي رواجه، فإن أول ما نصطدم به مع فيلم «صياد اليمام» هو أن بعض صالات العرض أعلنت عنه في الصحف تحت عنوان صياد «الحمام»، علي أساس أنه ليس هناك فرقا بين اليمام والحمام، فكلاهما يؤكل ويتم اصطياده!.. أما المفارقة الاساسية التي جعلت الفيلم «نموذجا» لأحوالنا السينمائية فهي أن الوقت الذي استغرقه بين أول أيام التصوير إلي أن تم عرضه وصل إلي 4 سنوات كاملة أو يزيد.. كيف؟ قرر المخرج إسماعيل مراد انتاج الفيلم بنفسه بميزانية تقترب من أربعة ملايين جنيه، ولأنه لا يملك هذا المبلغ فقد اتفق مع القطاع الاقتصادي بالتليفزيون المصري علي أن يكون شريكا في الانتاج ب25%.. وكان!.. وبعد ثلاثة أسابيع من التصوير، بدأ المخرج المنتج يبحث عن تمويل آخر، وكما هو معتاد مع معظم الأفلام المصرية توجه إلي إحدي المحطات الفضائية، وتعاقد مع «أوربت» علي تمويل الفيلم مقابل التنازل عن حقوق الفضائيات ولكن أوربت ظلت تماطل في دفع المبلغ المتفق عليه لمدة 10 شهور كاملة، وتوقف استكمال الفيلم.. وتدخلت غرفة صناعة السينما وتم إلغاء العقد، وانتقل المنتج المخرج إلي محطة أخري ART، ومنحته أول دفعة من الأموال لاستكمال الفيلم، ولكن «الممثلين» كانوا قد ارتبطوا بأعمال أخري، مما جعله يؤجل التصوير أكثر من مرة.. والمهم أن التصوير اكتمل في منتصف عام 2006، أي بعد أكثر من سنة ونصف السنة من بداية التصوير.. ثم بدأت رحلة البحث عن موزع لتحديد موعد للعرض، وهذا استغرق عامين ونصف العام. ودعونا من أخطاء وخطايا أن يبدأ تصوير فيلم قبل أن تكون ميزانية انتاجه موجودة ومتوافرة «لأن هذا يحدث مع 70% من الأفلام المصرية»، ليأتي دور سوء الحظ، فقد وجد الموزعون وأصحاب دور العرض أن نجوم هذا الفيلم: أشرف عبد الباقي وبسمة وعلا غانم ودنيا وصلاح عبدالله ولطفي لبيب وحنان مطاوع وسلوي عثمان ليسوا من نجوم الشباك، وموضوع الفيلم «ثقيل» لأن يدور حول أحلام الناس وإحباطاتهم فلم يتحسموا له.. وهذه هي القصة ببساطة. نعود للفيلم نفسه دون أن ننسي أن توقف التصوير أكثر من مرة، وبحث المخرج بشكل مكتمل.. ونأتي إلي اخطاء المخرج طوال الوقت عن تمويل أثر بكل تأكيد علي خروجه نفسه في تقديم رؤية واضحة لطرح العمل بشكل ممتع دراميا بأسلوب سهل ومتتابع لسرد حركة 12 شخصية يمتد بها العمل لزمن يقترب من 40 سنة من خلال رحلة «علي» الذي يهوي صيد اليمام، ويلتقي خلال هذه الرحلة بكل الشخصيات سواء التي استعادها بذاكرته مثل أمه «دنيا»، وأبيه «أحمد كمال»، وشقيق ابيه، وابنه الذي مات في حادثة سيارة، أو زميله الذي تعلم منه صيد اليمام «طلعت زكريا».. أو حياته الحاضرة والمعاصرة مع زوجته «علا غانم»، وبائعة الشاي التي تحبه «بسمة»، أو الفتاة التي يقيم معها علاقة «حنان مطاوع»، أو أزمة هذه الأخيرة مع أمها التي تخون أبيها «سلوي عثمان»، مع العسكري الذي يحرس السكة الحديد «صلاح عبدالله». كل هذه الشخصيات الثرية، والتي يبدو بعضها غير تقليدي أو مستهلكا علي الشاشة المصرية وضعها المخرج في حلقة جهنمية وغير منظبطة من «الفلاش باك» مما أفقد الفيلم والدراما وحدة المتابعة الممتعة والسهلة، وتوقف أمام بعض الشخصيات مثل الأب والأم طويلا لدرجة الملل، بينما مر عابرا علي شخصية بطل الفيلم نفسه فلم يعمقها، وعلي شخصية بائعة الشاي.. وهكذا!.. ورغم أن شخصية «الراوي» كان من الممكن أن تكون حلا دراميا جيدا فإن إسماعيل مراد لم يوظفها بشكل جيد، وكان حوارها ساذجا.. وعلي العكس من نقاط الضعف هذه كانت كاميرا رمسيس مرزوق مدهشة في مشاهد عديدة، وديكور خالد أمين، وأماكن التصوير التي تم اختيارها... إن مشكلة الفيلم الحقيقية هي أن المشاهد يخرج من صالات العرض وهوغير مستمتع رغم أن «العالم» الذي شاهده علي الشاشة لفت انتباهه، وتجاوب معه في دقائق كثيرة. أم النقطة الأكثر أهمية من كل هذا وهي التصدي لتقديم عمل صعب ومتميز ومختلف من فنان أو مخرج لم تكتمل رؤية العمل في ذهنه لتتحول إلي إبداع يستطيع تطويع أدواته السينمائية ليجعله عملا ممتعا بدرجة كافية؟!.