فى بعض الاحيان، تخرج من الكبار تصرفات لا تجد لها وصفا أقل من «العناد»، الذى فى النهاية سيعكس صورة سلبية على كيفية ادارة الدولة، ويعطى نتيجة سلبية تحطم كل ما يجرى من خطوات حقيقية على ارض الواقع لإنجاح مؤسسة غرقت منذ زمن فى بحور من الخسائر والاهمال والتسيب. نتحدث عن أزمة مدينة الانتاج الاعلامى التى تقبع تحت موجات من الخسائر المتلاطمة والمتعاقبة، لأن المنطق فى تعيين رئيس مجلس ادارتها لم يخرج عن كونه مكافأة نهاية خدمة لمن لم يقدموا شيئا طوال حياتهم المهنية، فماذا تنتظر أن يعطوا فى النهاية، سوى التمتع بمزيد من الخسائر. عصام الامير رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون الذى واجه هجمة الفضائيات الخاصة عليه، والذين يرون من مصلحتهم ان يظل الاتحاد فى غياهب الخسائر والازمات، قرر أن يعين على عبد الرحمن رئيسا لمدينة الانتاج الاعلامى. البعض ممن ينتمون لحزب الفساد الذين أجلسهم الامير فى منازلهم يحاولون تصوير الامر على أنه صراع مصالح، لكنه فى حقيقة الامر انتفاضة لصالح ماسبيرو التى تحاول بعض البنوك خطف المنصب فى غمضة عين، فى سابقة هى الاولى من نوعها، منذ انشاء المدينة. هؤلاء حاولوا اظهار ان ابراهيم محلب تحالف معها كى يعند مع عصام الامير، ولكى يمنحها مكافأة نهاية خدمة، وترضية عن اقصائها من منصب وزير الاعلام. واستغلوا أيضا فى مسلسل الحرب على الامير الذى أوقف حنفية الفساد فى ماسبيرو، تصوير أنه رتب تصويت ممثلى ماسبيرو فى مجلس ادارة المدينة ضد درية، على غير الحقيقة، فالعلاقة بين درية والامير على ما يرام، لكن ما حدث كان نتاجا عن مواقف قديمة بين ممثلى الاتحاد وبين الوزيرة السابقة، باستثناء ممثل واحد فقط الذى خاف أن يخرج عن اجماع الممثلين فصوت معهم ضدها. وآخر شائعة خرجت من حزب الفساد القديم، ان هناك ازمة قوية بين محلب والامير، وان محلب سوف ينحاز لدرية كى ينتقم من الامير، فى حين أن العلاقة بين الاثنين هى أيضا على ما يرام، فرئيس الحكومة يدعم الامير فى خطة انقاذ ماسبيرو، حتى يعيد التوازن مرة اخرى للساحة الاعلامية، ولا يتركها للقنوات الخاصة منفردة والتى يتحكم فيها أهواء ومصالح ملاكها. الامير قرر ان يكلف على عبدالرحمن بخطة اعادة الحياة لمدينة الانتاج، ورغم كل سهام التجريح التى انهالت على الرجل، تارة بالفلول، وتارة بالفساد، وتارة بالمحاباة، إلا أننى كنت متفائلا باختياره لثلاثة اسباب. الاول: انه اختيار عصام الأمير الذى أثق فيه وفى ذكائه، والثانى: ان على عبدالرحمن يعلم جيدا عمليات «التخسير» التى حاصرت المدينة على مدار سنوات طويلة، والثالث: أنه اتفق مع الامير على عملية تطوير وإعادة تربيح المدينة. لكن كان لدرية شرف الدين رأى آخر، فقد اتفقت مع الدكتور اشرف العربى وزير التخطيط، لترتيب مسألة توليها المنصب، فتولى مهمة التنسيق مع ممثلى البنوك فى مجلس ادارة المدينة، واتفقوا على إحداث الازمة، ومحاولة دفعها لتولى المنصب. لا أتمسك بوجود على عبد الرحمن على رأس مجلس إدارة المدينة، لكن أتمسك بوجود حد أدنى من العقل فى اختيار المسئولين، واتمسك بألا تدار المسئولية بالطريقة القديمة التى أوصلتنا للمصائب التى نعيش فيها حتى الآن. الدكتورة درية أخذت فرصها كاملة، منذ أن كانت مذيعة ومقدمة برامج ثم تدرجت فى المسئوليات الإدارية التى لم تنتج فيها شيئا سوى أنها كانت تمشى «جنب الحيط» لتظل أطول فترة ممكنة فى مناصبها التى تقلدتها، ثم غادرت كل مناصبها دون أن نتذكر أمرا جليا فعلته. أقول للرئيس السيسي، إذا كنت تثق فى عصام الأمير، فثق فى اختياراته، ثم حاسبه عليها، فليس هناك أحد فوق الحساب، وأظن ان الرئيس هو من سيحسم هذا الملف، هنا الظن ليس بإثم.