لا يستطيع أي خبير سياسي أومحلل استراتيجي أن ينكر أن زيارة مبارك الأب القادمة إلي أمريكا قد تكون إشارة للبدء الفوري في تنفيذ مخطط التوريث المحكم والذي بدأ منذ سنوات عديدة بعد أن رحل الرئيس الأمريكي جورج بوش ورحلت معه علاقاته المتوترة مع مبارك الأب والتي كانت ظاهرة للعيان بشكل واضح حتي أن آخر زيارة لمبارك الأب كانت سنة 2003 كما أن بوش الابن كان لايتورع عن اظهارمدي خلافه معه وكان حريصا علي اتخاذ مواقف غالبا ما تكون غاضبة لمبارك الأب. وهناك جوانب عديدة لهذا الملف يجب النظر إليها عند طرحه وهي كالآتي: 1- مدي قبول الإدارة الامريكيةالجديدة بعد تولي الرئيس الامريكي باراك أوباما الشاب المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة لفكرة التوريث للحكم في مصر خاصة أن مبارك الأب يعلم أن الضوء الاخضر القادم من الولاياتالمتحدة له تأثير لايستطيع أن يتغافل عنه بل إن مبارك الأب يعتبره الركن الركين الذي سيستند اليه لإتمام باقي اجراءات صعود جمال مبارك إلي سدة الحكم والاسراع فيها دون انتظار لانتهاء فترة رئاسته والتي ستنتهي في نهاية 2011 وهو يعلم أن أمريكا لها مصالح تبحث عنها في المقام الاول وبالتالي فمن الممكن التوصل إلي صيغة يحدث بناء عليها توافق بين المصالح الأمريكية التي تبحث عنها الإدارة الجديدة بقيادة أوباما وبين مصلحة مبارك الأب في إتمام عملية التوريث وتناولت العديد من الصحف الأمريكية الموضوع ومثال علي ذلك محطة «سي إن إن» من خلال كاتبها فريد زكريا فتناولت الموضوع بترحاب وتهيئة إعلامية لجمال مبارك وأشارت إلي أن جمال كان وراء الكثير من القرارات السياسية في مصر كما أن العديد من الوزراء كان لجمال مبارك القرار في اختيارهم وعلي حد قول زكريا إنه وقف خلف الكثير من التحديث والاصلاح في مصر عبر السنوات الخمس الماضية واضاف: الحكومة المصرية قد قامت بإصلاحات كبيرة اقتصادية مما أدي إلي نمو قوي كما أنها قامت بفتح الإعلام. وطرح هذا الموضوع العديد من وسائل الإعلام الامريكية باستفاضة وطرحت فيه العديد من التحليلات وكلها تجمع في نهاية الأمر علي السعي الحثيث لمبارك الأب لتوريث جمال مبارك حكم مصر وأن يقود هذه العملية بنفسه حتي يسلم العرش للأبن جمال. 2- الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر والتي تتضح للمواطن العادي قبل الخبراء أنها تهوي إلي منزلق سحيق ولعل الازمات المتتالية التي تحدث في مصروالتي تلفح نيرانها جيوب الفقراء الذين يزداد عددهم سنويا إن لم يكن يوميا ولعل أزمة رغيف العيش علي رأس تلك الأزمات والتي راح ضحيتها العديد من القتلي علي مستوي جميع المحافظات لافرق فيها بين مسلم ولامسيحي ولا محافظة وأخري كما أن أزمة أنابيب البوتاجاز كانت ومازالت تغطي انحاء المحروسة ومظاهر الفساد المنتشرة بضراوة ووضوح في جميع مؤسسات الدولة والذي تنكره الحكومة والقيادات السياسية بالحزب الوطني ولكن يعيشه في كل لحظة أبناء مصر كما أن حوادث غرق العبارة السلام 98 وهروب صاحبها ممدوح إسماعيل- عضو مجلس الشوري عن الحزب الوطني -والتي نتج عنها غرق اكثر من 1300 مواطن وحادثة حريق قطار الصعيد ليلة العيد والتي التهمت أجساد مواطني الصعيد البسطاء وخلفت وراءها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وأهل الصعيد تحديدا يعلمون كيف يكون الزحام في قطاراتهم غيرالآدمية في مثل هذا اليوم كما كانت كارثة صخرة الدويقة دليلا جديدا علي أن سكان العشوائيات هم آخر من تفكر فيهم حكومة الحزب الوطني المتربع علي عرش مصر منذ أعلن الرئيس أنور السادات رحمه الله عن عودته للحياة ثم قام مبارك الأب وعلي مدار 28 سنة حكم فيها مصر بعملية «لصق» للحزب الوطني مع السلطة التنفيذية (الداخلية والمحليات وغيرها من الوزارات) مما ترتب عليه الآلاف من المصائب التي توالت علي مدار السنوات ودفع شباب مصر إلي البحث عن السفر بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية للبحث عن العيش بكرامة بعيدا عن مصرومازالت أخبار عشرات الغرقي منهم تتوالي كل يوم علي شواطئ إيطاليا واليونان وليبيا كما أن الاوضاع السائدة جعلت ثقافة الاضرابات والاعتصامات هي الأساس للحصول علي جزء من الحقوق للنقابات والطوائف وبعض الاحصاءات تقول إنها أصبحت بالآلاف من الاضرابات والاعتصامات في السنوات الاخيرة كما انتشرت ثقافة العنف وظهرت العديد من الجرائم العنيفة المعبرة عن تغيرات عميقة في السلوك الاجتماعي في مصرولم تقتصر علي مستوي طبقي معين ولكنهامنتشرة بشكل أفدح وأوضح في سكان العشوائيات ولعل آخر مثال علي هذه الثقافة ذلك المسجل خطر الذي اختلف مع آخر فحرق 270 منزلا ومخزنا للاخشاب في الشرابية وبالطبع فالعشوائيات هي المظهر الاول لفساد موظفي المحليات وتسهيلهم لدخول المرافق لأي مكان وكله بثمنه بالطبع. 3- الاوضاع السياسية والتي كرسها مبارك الأب من خلال إضعاف جميع التيارات والاحزاب المصرية بكل اطيافها من خلال اتباع سياسة الاستقطاب والاعتقالات لأي ناشط سياسي سواء كان حزبيا أو مستقلا أو من الإخوان المسلمين كما أن كل التيارات الإسلامية تحت السيطرة سواء كان ذلك بسيف المعز أو ذهبه وبالتالي تم إقصاء أي شخصية مصرية يحدث بينها وبين الجماهير أي قبول والامثلة كثيرة ومتعددة ولعل أشهرهم كان المشير أبوغزالة رحمة الله عليه والدكتور كمال الجنزوري وعمرو موسي أمين جامعة الدول العربية وغيرهم مما أوجد بين الجماهير ثقافة هو فيه حد غير جمال علشان نختاره وبالتالي تم حرث الارضية السياسية لمبارك الابن والتجهيز للعملية الكبري والمسماة انتخابات رئاسة الجمهورية والتي ستقوم فيها الاحزاب بدور الكومبارس من خلال ممثلين لها للترشيح أمام جمال مبارك ويصبح الوريث رئيسا منتخبا بنفس الطريقة التي نجح بها معظم أعضاء مجلس الشعب بالحزب الوطني وخاصة في الفترة الأخيرة الانتخابات التكميلية والتي نجح فيها السادة النواب بأصوات عشرات الآلاف في حين لم يقم بالتصويت في احسن الاحوال عشرات الناخبين وكان من الواضح أن الحزب الوطني لايرشح الا كوادره المعروفة تماما لديه حتي وأن لم تكن تلك دوائرهم اصلا، كما أن الناشطين السياسيين في بر مصر بالكامل فشلوا حتي الآن في التجمع وتجميع المواطنين حولهم وإعلان مواجهتهم لسياسات الحزب الوطني بقيادة مبارك الأب ومبارك الابن ورفضهم لكل الاجراءات التي تتم علي أرض الواقع والتي ستؤدي في النهاية إلي صعود الوريث علي عرش مصر،.. فهل ستأتي الزيارة القادمة لمبارك الأب إلي أمريكا بالجديد.؟ كل مصر في حالة انتظار.