ماذا سيغير الدمار الجنوني من أجل الموتي، واللذين بلا مأوي، واليتامي الذين يعملون تحت اسم الحرية والديمقراطية أو بسبب الشمولية, ستكون هناك العديد من القضايا من جراء مجازفتي بحياتي، لكن عندما أُقتل، فلن تكون هناك قضية واحدة.. يقول غاندى. هكذا إذًا يفكر، تلك العبارة تمثل عنصر قوة النضال السلمى، بينما رأى الناس أن السلمية جُبن، ولا تجدى أمام الرصاص, رأى غاندى أن السلمية هى السبيل الوحيد, إذا لم تكن تستطيع مجابهة الرصاص بمثله، فمقابلة الرصاص بصدر عارى، فى الحقيقة تعرّى حامله، فلو قتلك ظهر كقاتل, ولو تركك إنفرط منه العقد، بذلك التكتيك البسيط, هزم غاندى الإمبراطورية البريطانية. كان «موهندس كارماشندى غاندى» رجلًا ضئيل الحجم، ولكن حمل بداخله آلام المستضعفين من شعبه, وحول هذا الألم إلى طاقة هادفه,، هو الطفل الذى ولد فى الثانى من اكتوبر عام 1869 ببوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة، ويبدو أن العمل عام هو عمل وراثي شربه هذا الطفل من أسرته. قضى طفولة عادية, و تزوج و في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد، سافر بعد ذلك إلى بريطانيا فى العام 1882 ودرس فيها القانون, وكاد أن يضل, ولكن القدر لم يشأ له ضلك، فكيف يقود الهند للتحرر إذا كان لا يقوى على قيادة نفسه, وسرعات ما عادى إلى قيمهوأكمل دراسته, وعاد إلى الهند على 1891 حاملًا شهاده تخوله العمل فى القانون. ولأنه لم يجد فى الهند موطئ قدم يمكنه من إستغلال علمه, سافر إلى جنوب إفريقيا فى العام 1893 للعمل فى مكتب قانون، وخطط أن يعود سريعًا، ولكن قدر القائد تحدده حالة الأتباع, فقد كانت جنوب إفريقيا فى هذ التوقيت محتلة من بريطانيا أيضًا كما الهند, فيبدو أن القدر منحه تدريب لما سيحدث فى المستقبل, فقد عمل فى جنوب إفريقيا فى الدفاع عن حقوق العمال الهنود، وناضل ضد قانون يمنع الهنود من التصويت فى الإنتخابات، وأسس حزب المؤتمر الهندى، وكافح قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية, ومنع الحكومة البريطانية من نحديد هجرة الهنود إلى جنوب إفريقيا، ومن هنا بدا أن الرجل ليس كأى هندى عادى. فى العام 1915 عادى غاندى إلى الهند محملًا بالعلم والثقافه والتجربة، فقد قضى هناك 22 عامًا، اختبر فيها أسلوب النضال السلمى في العمل السياسي, أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. بعد فترة قليلة من العمل السياسى فى الهند أصبه المهاتما غاندى واحد من أشهر الشخصيات السياسية فى الهند إن لم يكن أشهرها على الإطلاق, وإهتم بمشاكل الفلاحين والمنبوذين والفقراء. ويبدو أن نحافة غندى لم تكن من فراغ , فقد قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى «اتفاقية بونا» التي قضت بزيادة عدد النواب «المنبوذين» وإلغاء نظام التمييز الانتخابي. لمع نجم غاندى أكثر وأكثر وذلك بعد بيان قدرته على التغيير السلمى, وقد وصلت تجربته مع التغيير إلى مرحلة من مراحل النضوج, ولكن لم تكت تلك تجربته الاخيرة. الملح حق تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية مسافة 250 ميل وهى مسافة كبيرة لرجل فى الستين من عمره, توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت «معاهدة دلهي». غضب بين الهنود من غاندى تسببت مواقف غاندى المتسمة بالمرونة أحيانًا, والصلابه فى أحيان أخرى إلى حالة من الغضب بين أتباعه من الهنود, بعد إنهائه عصيان الملح, حيث شعر المواطنين الهنود وقتها بمدى قوتهم وظنوا أنهم سيتحرروا الإستعمار, ولكن ما حدث كان غير ذلك, وهو ما أصابهم بخيبة الأمل فقال غاندى لهم «لا يمكنكم أن تحصل على كل شئ مرة واحدة». ومثال آخر على مواقفه المتقلبه, حينما تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة. سجن غاندى عقب ذلك حكمت السلطات البريطانية على غاندى فى ذلك الوقت بالسجن لمدة ست سنوات, وكان قرار إعتقاله قرار صعب نظرًا للتخوف من عاقبة الأمر, وبالفعل تسبب إعتقاله فى غضب الجماهير والخروج فى مسيرات فى الشواع وتوسع لحركة نضاله, ووصل الأمر فى بعض الأحيان إلى الإشتباك مع القوات البريطانيه, وأطلق سراحه فى العام 1924 ليعود إلى الجماهير. تحول جديد فى مسيرة غاندى قرر غاندي في عام 1934 الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرا أن دستور عام 1935 يشكل ضمانة كافية وحدا أدنى من المصداقية والحياد. وعلى الرغم من تعاونه مع بريطانيا فى الحرب العالمية الاولى, عاد فى العام 1490 وقاد عصيان جديد, وذلك ضد قيام بريطانيا بإعلان الهند دولة محاربة فى الحرب العالمية الثانية, وبسبب إنشغال بريطانيا فى الحرب, وعدم رغبتها فى وجود توترات فى الهند, أرسلت عام 1942 «بعثة كريسب» إلى الهند فى محاولة لإحتواء الأزمة ولكنها فشلت فى مسعاها, ولكن عقب ذلك قبل غاندي في عام 1943 ولأول مرة فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة «اتركوا الهند وأنتم أسياد»، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلا خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلا في عام 1944. تقسيم الهند انتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل. وتم ذلك بالفعل في 16 أغسطس 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبا بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة. التاريخ المظلم للزعيم ما لا يذكر فى قصة غاندى ورحلته النضالية, أن الكثير من أصحاب التيار الإسلام فى العالم رفضوا غاندى, وإعتبروه أحد أسباب النكبات التى ألمت بالمسلمين, ويذكروا ان المسلمين هم من طالبوا بالإستقلال عن الهند, يقول الدكتور خالد بن محمد الغيث أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى فى العام 1920 تم تأسيس جمعية إنقاذ الخلافة, وظهر غاندى «الهندوسى» وقام قام بالتقرب إلى جمعية إنقاذ الخلافة وطرح عليهم فكرة التعاون مع حزب المؤتمر الوطني الهندي، فرحب المسلمون بذلك، ولما عقد أول اجتماع بين الطرفين ، طرح المسلمون شعار استقلال الهند عن بريطانيا، بدلاً عن فكرة إصلاح حالة الهند التي كانت شعار المؤتمر الوطني، لكن غاندي عارض هذا المقترح وثبط الهمم ، وفي عام 1921م عقد الطرفان اجتماعاً مهما تمكن فيه المسلمون من فرض شعار الاستقلال عن بريطانيا وقاموا بتشكيل حكومة وطنية لإدارة البلاد. وفى إطار ذلك حدث تنسيق بين غاندى و ريدينج, وكان هو المسؤول البريطانى عن الهند, قامت بريطانيا بالقبض على الزعماء المسلمين المنادين بالاستقلال ، فأصبح الطريق ممهداً أمام غاندي الذي طلب من هيئة المؤتمر الإسلامي الهندوسي، بأن تسلم له مقاليد الأمور بصفة مؤقتة نظراً لقبض بريطانيا على الزعماء المسلمين، وعندما عقد أول اجتماع برئاسة غاندي نفذ ما تم الاتفاق عليه مع الحاكم البريطاني ريدينج, وأعلن أن الوقت لم يحن بعد لاستقلال الهند, وعندما اطمأنت بريطانيا على مقدرة الهندوس على حكم الهند قامت بترتيب الأمور لاستقلال الهند فى العام 1948. وعلى وجه آخر, هناك العديد من المؤرخين يبرر سبب بعد غاندى عن الإسلامين فى الهند إلتجائهم إلى العنف, وهو ما لم يكن يوافق عليه غاندى, ولا يُغفل أن له العديد من المواقف التى ناصرت المسلمين ومنه دعوته الهندوس إلى إحترام حقوق الأقلية المسلمة, كما قال فى الإسلام لقد أصبحت مقتنعا كل الإقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها إكتسب الإسلام مكانته, بل كان ذالك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود,وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه, وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.هذه الصفات هي التي مهدت الطريق. وتخطت المصاعب وليس السيف. في 30 يناير 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما, وبذلك أنتهت مسيرة غاندى النضالية, برصاصة, عاش سلميًا ومات مقتولًا.