«التسعينات وما أدراك ما التسعينات»، ربما هو قول مألوف لعازفي ومغني «الميتال»، ذلك النوع من الموسيقى الذي تم استقطابه للمجتمعات الشرقية من أوروبا وأمريكا على غرار الروك والجاز، ولكنه يتميز بموسيقاه الصاخبة وإيقاعه السريع على أنغام الجيتار الإلكتروني وقرع «الدرامز». عاد الجدل حول «عبدة الشيطان» مرة أخرى في مصر، منذ أيام قليلة، بعد أن قررت نقابة المهن الموسيقية برئاسة الفنان هاني شاكر، وقف حفل لفرقة «ميتال» كان مقررا في 20 فبراير بإحدى الفنادق بالمهندسين. وتحول الأمر إلى قضية رأي عام، ترتب على إثرها تقديم هاني شاكر لاستقالته من منصبه الخميس الماضي، احتجاجا على حملة الانتقادات الواسعة التي تعرض لها مؤخرا بسبب منعه الحفل الموسيقى. داخل ستوديو إضاءته خافتة يحيطه السكون بمدينة نصر، يؤدي فريق «فاردين» لموسيقى «الميتال» بروفاته، لكن صخب الموسيقى ينطلق بداخله ويعج بالعديد من الآلات الموسيقية الحديثة. يستأجره ثلاثة أشخاص عدة أيام في الأسبوع «شادي، وملك، وميشو»، هم من أسسوا الفرقة عام 2006. أعضاء الفرقة الثلاثة ليسوا بمعزل عن مجتمعهم، فلكل منهم عمله الخاص به والذي يعد مصدرا لدخله.. فملك المصري (26 عاما) تعمل في شركة مسؤولية اجتماعية، وشادي أشرف (30 عاما) خريج إدارة أعمال، يجمعهم الليل لممارسة هوايتهم في عزف وغناء «الميتال» في محاولة للخروج على نمط الحياة التقليدية في مصر. عدسة «الشروق» كانت على موعد مع هؤلاء لطرح تساؤلات حول «الميتال»، وما أثارته تلك الموسيقى من جدل خلال الأيام الأخيرة. • «عهد البارون»: "عهد البارون انتهى ودلوقتي بنعيش ثورة الاتصالات"، هكذا بدأت ملك المصري حديثها حول انطباع المجتمع ونظرته المسبقة لموسيقى الميتال وربطها بعبادة الشيطان، وتفسر تلك الظاهرة بأن المجتمع المصري في التسعينات لم يمتلك أدوات التواصل من خلال دائرة صغيرة هي شبكة الإنترنت، ولم يكن لدى العامة القدرة على البحث لمعرفة ما وراء هذا النوع الجديد عليهم من الموسيقى. وتضيف أن "المصري الذي ظل قابعا في بلده خلال تلك الفترة ولم يخرج منها ثم فوجئ بالميتال تقتحم حياته بالطريقة التي صدرها الإعلام في هذا التوقيت، فكان من الطبيعي أن يعتبرها أمرا شاذا وغير معتاد بالنسبة لثقافته وحياته آنذاك". • «الإعلام وعبادة الشيطان»: يقول شادي أشرف العازف بفرقة «فاردين»: "طبيعي انك تلاقي حد بيعبد الشيطان وبيعزف الميتال ويكتب كلمات هذا النوع من الموسيقى، ولكن هذا لا يعني أن جميع العازفين يعبدون الشيطان، ومن يعبد الشيطان هم فئة قليلة.. الإعلام ترقب دعوة لإقامة حفلات لمثل هذا النوع من الموسيقى عبر فيسبوك، وتناول الأمر بشكل سطحي دون بحث علمي عن ثقافة تلك الفرق وموسيقاها واطلع المشاهدين بأن هؤلاء يمارسون طقوسا شيطانية.. وهكذا تثبت التهمة علينا". ويضيف: "الموضوع في غاية الحساسية والشباب المصري المحب للميتال سواء من ممارسيه أو المستمعين له لم يعد يتحمل هجوم آخر. وفي نهاية المطاف هي موسيقى تندرج تحت بند الفن، ولذلك لا يجب أن ينظر لنا المجتمع أو الإعلام من منظور سطحي ويهتموا بالمظهر دون الجوهر، ولا يجب أن نكون مثل أمريكا التي إذا نظرت إلى شخص ذو لحية طويلة وشعر طويل فتدعي أنه إرهابي دون التحقيق معه". تعود «ملك» للحديث من جديد وتعرب عن مخاوفها من إلصاق صفة عبادة الشيطان على كل من يغني الميتال، فتقول: "لا يصح أن نعطي الفرصة لكل من يحاول إلصاق تهمة عبادة الشيطان علينا سواء من إعلام أو خلافه فعندما يقال عني عابدة للشيطان دون وجه حق كيف ينظر لي سائق التاكسي وكيف ينظر لي عامة الناس وأنا أسير في الشارع.. هذا أمر خطير وإساءة لفئة من المجتمع كل ذنبها هو الاستماع للميتال". وتطالب مغنية «الميتال» المجتمع والقائمين على الموسيقى في مصر بإعطاء فرصة لفرق الميتال قبل الحكم عليهم، فتقول: "إدخال نوع جديد من الموسيقى في أي مجتمع له ردود أفعال متباينة، ومن الممكن أن تثير الجدل لكونها غريبة بغض النظر عن تقييمها، وكل ما نطلبه هو الوقت لاكتشاف هذا النوع من جديد كلي تستوعبها الثقافة المصرية، كما حدث مع المزيكا الشعبي والمهرجانات في بداية ظهورها". وترى «ملك» أن عازفي الميتال هم فئة لا تمثل سوى نصف في المائة من المجتمع المصري يعيشون أجواء منغلقة نابعة من أداء الموسيقى باللغة الإنجليزية كما يحدث في الغرب، ولذلك انتشارنا ضعيف على عكس المهرجانات". يصف «شادي» حياة عازف الميتال فيقول: "كل شخص من أعضاء الفرقة له حياته وعمله الخاص فالميتال ليست كل حياتنا، على عكس الفرق في أمريكا، وهذا الأمر يعود إلى ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه ويفرض علينا تحقيق التوازن بين عملنا الذي نتحصل منه على الدخل وكذلك المزيكا التي لم نتكسب منها ولكن نصرف عليها، وعلى الرغم من ذلك نحن سعداء بالميتال لأنها هوايتنا التي نحبها". • «الزي الأسود»: يفسر «شادي» السر وراء ارتداء فرق الميتال الزي الأسود، ويقول: "نفضل الملابس السوداء لأن تركزينا ينصب على الموسيقى ولا نريد أن نشتت تركيز جمهورنا حول أشياء متعلقة بالملابس والألوان، ونكثف اهتمامنا على السمع فقط". "أزمة فرق الميتال ليست مع أجهزة الدولة أو نقابة الموسيقيين، فنحن كفرق ليس لدينا من الخبرة للتعرف على نظام نقابة المهن الموسيقية، فضلا عن أن نوع ما نقدمه من الموسيقى صعب غنائه في مسارح مثل الأوبرا وإنما يحتاج لمسارح مكشوفة لتفاعل الشباب مع الإيقاع السريع، يضيف «شادي»، موضحا: "النظام في مصر صعب.. فإما أن تكون منتمي للنقابة أو غير معترف بك كفنان، وبالتالي نتمنى أن نتواصل مع النقيب لتقنين وضعنا الموسيقي على الرغم من علمه بما نقدمه من فن ليس بغريب على العالم". وتقول «ملك» إن "الهجوم الذي تتلقاه فرق الميتال هو عبارة عن بلاغات من ناس بعينها، غير متقبلة لهذا النوع من الفن وحينما تسمعه تشعر بأن المتال هو طقوس سيئة تهدم قيم المجتمع، كما حدث في واقعة محامي الحرية والعدالة وهو الاعتقاد السائد، ولكننا لن نستطيع أن نلوم الشعب المصري.. والبوليس لا يستهدفنا". • «قواعد الحفلات»: "ساقية الصاوي هي الملاذ الآمن لإقامة حفلات الميتال، وذلك لصعوبة الحصول على تراخيص وتصاريح لإقامة الحفلات في أماكن أخرى ما يعد مجازفة"، وفقا لما ذكره «شادي» الذي أضاف: "إذا دعينا لحفلات على فيسبوك فإن قواعدنا معروفة للجميع وهي منع التدخين واستخدام الآلات الحادة، ولكن من الطبيعي عند إقامة حفلات يحضرها فئة الشباب من الممكن أن تحدث مشادات مثلما يحدث الأمر نفسه مع كبار الفنانين مثل حفلات محمد منير وعمرو دياب". نادر صادق.. هو الاسم الذي أثار جدلا بعد منع إقامة حفلته في وسط البلد بقرار من نقيب الموسيقيين، يقول ل«الشروق»: "ليس من عادتي أن أتحدث للصحافة فانا أهتم بالفن وموسيقى الميتال أكثر من أي شىء آخر. أما مسألة إقامة الحفلات في مصر هي نوع من المخاطرة لأني لا أتوقع ردود الأفعال في مجتمع به نسبة كبيرة من الأمية وعانيت من تشويه سمعتي خلال الفترة الأخيرة، ولن أرد على اتهامي بأني تسببت في مؤامرة على مصر لدعوتي فرقة لعزف الميتال من قطروأمريكا".