انتقد الدكتور أحمد سيد عبدالحليم المستشار النووى للوكالة الدولية للطاقة الذرية البطء فى تنفيذ المشروع النووى المصرى، مؤكدا أن الاستغناء عن موقع الضبعة استجابة لضغوط بعض رجال الأعمال سوف يفقد مصر الجدية فى تنفيذ هذا البرنامج وسيكلفها الكثير. وتوقع الخبير النووى الذى عمل كمفتش للضمانات النووية فى برامج الهند واليابان والصين وتايوان، ثم نائبا لرئيس الوكالة بطوكيو لمدة 14 عاما نجاح البرنامج المصرى فى حالة التمسك بالضبعة. وأشاد عبدالحليم فى حواره ل«الشروق» بمشروع القانون النووى الذى أعدته وزارة الكهرباء والطاقة. فى ما يلى نص الحوار: ما هو تقييمك للبرنامج النووى المصرى؟ البرنامج يحتاج أولا لإعداد الكوادر البشرية المصرية، ويحتاج إلى تخطيط على المدى البعيد، خاصة فى إطار إنشاء أقسام الهندسة النووية بالجامعات لتخريج الأعداد المطلوبة وفقا لعدد المفاعلات التى ستبنى، ويمكن الاستعانة بمهندسين فى مختلف التخصصات مثل الكيمياء والفيزياء والكهرباء والمدنى وغيرها ثم نعمل على إكسابهم الخبرات النووية عن طريق إخضاعهم لبرامج تدريبية لمدة عام، وهذا ما فعلته كوريا واليابان والصين. كيف تتابع الخطوات التى اتخذت خلال السنوات الماضية؟ الشركة الاسترالية الاستشارية سوف تحدد فى ديسمبر قرارها بشأن صلاحية موقع الضبعة، ولكنى أؤكد ضرورة التمسك بالضبعة إذا كانت هناك جدية فى تنفيذ البرنامج، حيث إن الوقود الاحفورى (البترول، والزيت، والغاز) معرض للنضوب إن آجلا أو عاجلا، وموقع الضبعة محدد منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى وكان مقررا البدء فى تنفيذ المشروع النووى المصرى قبل حادث تشيرنوبل فى 1986، ومنذ ذلك التاريخ تمت دراسات وافية للضبعة من كل الجوانب، واعتبرها أنسب موقع فى مصر، ويستوعب 4 محطات ولو بدأنا التنفيذ خلال عام فهذا معناه الانتهاء من المحطة الاولى خلال 10 سنوات، وإذا استطعنا بناء المحطات الثلاث الأولى خلال 30 سنة فسيكون إنجازا كبيرا، وخلال هذه المدة تكون الفرصة جيدة لدراسة مواقع أخرى لبناء مزيد من المحطات، ولكن إذا تم استبعاد الضبعة استجابة لضغوط بعض رجال الأعمال، فالدراسة وحدها سوف تستغرق 3 سنوات وبعدها من الممكن أن نكتشف عدم صلاحية المواقع الجديدة، وهذا سوف يفقد البرنامج جديته التى اتسم بها فى الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى زيادة تكلفة بناء المحطة بنسبة 50 %، حيث تبلغ الآن 4 مليارات دولار. وهل من الممكن إشراك القطاع الخاص؟ لا، المحطات النووية مازالت من اختصاصات الدولة. وما هو المطلوب حاليا لإنجاح البرنامج؟ يجب الإسراع بإعداد الكوادر من خلال التعاون بين الجامعات المصرية وهيئات الطاقة الذرية والمحطات والمواد النووية والشركة الاستشارية والوكالة الدولية وعمل برامج تدريب مكثفة، لأن الأمر يحتاج إلى الدقة الكاملة فى جميع التخحصصات، ولا يقتصر على تركيب أجهزة، فبناء محطة نووية يختلف عن بناء محطة حرارية. هل تتوقع النجاح للبرنامج؟ العملية بشكل عام فيها بطء ما، ولكنها تسير على الطريق، والملاحظ أن هناك نوعا من الجدية هذه المرة. أثير فى الآونة الأخيرة أن موقع الضبعة تعرض لاختراق بعض رجال الأعمال؟ أظن أن هناك تهديدا حقيقيا بسبب تدخل بعض رجال الأعمال، واقترح عمل برنامج أمنى،كإنشاء شرطة متخصصة تكون تابعة للداخلية، فلا يجوز أن يقوم (خفير درك ) بالحراسة على موقع محطة نووية، الأمر يحتاج إلى قوات أمن متخصصة مثل الأمن الفيزيائى، ويجب أن يكون لدينا الآن طاقم للأمن النووى ولابد من وجوده منذ البداية، مع مرحلة البناء، فلا يمكن أن يسمح لأحد عمال البناء مثلا أن يدخن الشيشة بالموقع، لأنه يمكن حدوث أى غلطة بسيطة مثل رمى أى جسم صغير أثناء صب الخرسانة وفيما بعد يسبب تشققات وتحدث كارثة، وقد حضرت عملية بناء مفاعل نووى أمريكى لمدة عام، وكانت هناك تعليمات مشددة بمنع الحركة فى المكان، وهذا يحتاج لأمن متخصص ومدرب يعرف ما ومن يسمح له بالدخول أو الخروج من أى مكان فهناك أوامر يجب أن تنفذ بحذافيرها فالنووى (مش دلع). إذن، مازال ينقصنا الكثير؟ رغم أننى أتوقع النجاح فإن الأمر يحتاج إلى قدر من التغيير، ومنح الحوافز اللازمة، مثل الرواتب المجزية وبناء مدينة سكنية للعاملين.. إلخ. البعض يقول إن الفرق بسيط جدا بين البرنامجين السلمى والعسكرى؟ لا، هناك فارق كبير جدا، خاصة فى مجال الوقود النووى، فأنت ستحصل على وقود مخصب بنسبة 5 % والعسكرى يحتاج لأكثر من 90 %، وبعد التشغيل ينتج الوقود المستنفد ولابد من إعادته إلى الدول المصدرة وأساليب الرقابة الآن دقيقة جدا. ما هو موقف مصر الحالى من الوكالة واتفاقية منع الانتشار النووى؟ مصر من ضمن الدول المؤسسة لاتفاقية منع الانتشار النووى (NBT) سنة 1970، وهى من أوائل الدول الموقعة عليها، وتلتزم بشروطها، لكن الفكرة هى أنه لم يعد هناك فرق بين الدول الموقعة وغيرالموقعة، والأهم الآن هو الملحق الإضافى (توقيع ايوا) والخاص بالتزامات التفتيش المفاجئ، والذى لم توقع مصر عليه حتى الآن، وهذه مسألة أصبحت تناقش كل خمس سنوات، وسوف يناقش فى مايو القادم على مستوى الدول بالأمم المتحدة. ما هو سر عدم توقيع مصر على الملحق الإضافى؟ مصر لن توقع ما لم توقع إسرائيل. وما هى النتيجة؟ إذا رفضت مصر التوقيع وظلت متمسكة بموقفها، فهذا معناه أن يظل الوضع على ماهو عليه خمس سنوات أخرى، وانسحاب أى دولة من الاتفاقية يترتب عليه أشياء كثيرة، حيث يتوقف التعاون النووى بين الوكالة والدولة المنسحبة، ويتوقف الإمداد بالوقود النووى حتى للمفاعل القديم الموجود لدى مصر مثلا وكذلك توقف التعاون فى مجال الصيانة للمفاعلات، لأن الدولة تستفيد من خدمات الوكالة بصفتها عضوا بها، وهذا ما حدث مع كوريا الشمالية. إذن، مصر تصر على توقيع اسرائيل وليس لديها بديل؟ لا يوجد لدى مصر بديل للاستمرار فى الاتفاقية حتى مع إصرارها على توقيع إسرائيل عليها ومطالبتها لاخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى، خاصة أن مصر مقبلة على تنفيذ برنامجها النووى السلمى لإنتاج الطاقة الكهربائية، كما أن مصر تحصل على مساعدات كثيرة من الوكالة فى مختلف المجالات مثل الطب والزراعة والصناعة، ولديها كثير من المشاريع مع الوكالة، وكل هذا عرضة للتوقف فى حالة الانسحاب، وهذا غير ممكن فى الوقت الحالى. ما مصير البنك الدولى للوقود النووى الذى أيدته مصر؟ الدعوة لإنشاء بنك دولى للوقود النووى صدرت عن الدكتور محمد البرادعى مدير عام الوكالة، وبدأت فعلا خطوات إنشائه، حيث دفعت الإمارات 10 ملايين دولار، كما دفع ملياردير أمريكى 50 مليون دولار، ووصل المبلغ الآن إلى 110ملايين دولار، وهدف البنك هو إزالة الدافع أمام الدول لسعيها لتخصيب الوقود النووى، حيث سيقوم البنك بتوفير الوقود النووى، وتضمن الدول لحصول عليه بالأسعار العالمية وسيتم إنشاء مراكز للبنك فى دول مختلفة. هل سيتعرض العرب لمواقف تفتقد للحيادية من قبل الوكالة بعد البرادعى؟ طالما نعرف واجباتنا فلن نتعرض لشىء، ممكن تحدث مضايقات لو أنك لا تتقدم بمعلومات دقيقة، الأمر يشبه حسابا بنكيا، ويتوقف الأمر على دقة الحسابات والمعلومات، فمثلا حينما يكون مقيدا فى دفاتر الوكالة أنه لديك 100 كيلو يورانيوم، وبالتفتيش وجد عندك 95 كيلو فقط فهذا يستوجب السؤال عن الفرق، وعموما أى من هذه الأمور سوف يعرض على مجلس المحافظين ويناقش بطريقة علمية وموضوعية ثم تتخذ الوكالة قرارها. ما هو تقييمك للبرنامج النووى الإيرانى فى ضوء المتاح من معلومات؟ آخر شىء حتى رجوع البعثات من إيران أنه ل ايوجد لديها وقود مخصب فوق 5 % والقنبلة تحتاج 95%. لكنها أعلنت عن عدد كبير من أجهزة الطرد المركزى؟ ارتفاع عدد الأجهزة ليس معناه أنها تقوم بتخصيب عال لأنها عملية غير سهلة ويمكن كشفها بأى تفتيش وتحتاج لعمليات كثيرة ومعقدة، وفريق كبير ومتكامل من العلماء والمتخصصين والفنيين والمهندسين. إذن، ماذا ينقص إيران للتحول إلى البرنامج العسكرى؟ التحول إلى البرنامج العسكرى يحتاج إلى قرار سياسى لتصنيع السلاح الذرى، حيث إن إيران حصلت على التكنولوجيا التى تمكنها من التخصيب، ولكن هناك عوامل كثيرة تحتاجها مثل ال«سوبر كمبيوتر» وهو محدود جدا والعملية بشكل عام تحت التحكم، يعنى أى جهاز سوبر كمبيوتر معروف مصدره وعمليات نقله من مكان إلى آخر والهدف من استخدامه. فى حالة حصول دولة مثل إيران على السلاح الذرى وفى ظل الصراع القائم، مااحتمالات اللجوء إلى الضربات الذرية؟ احتمالات اللجوء إلى ضربات ذرية مستحيلة فى حالة التوازن الذرى، مثل الهند وباكستان،وفى حالة عدم التوازن، ممكن للطرف الذى يملك السلاح أن يضرب به الآخر، ولكن الأمر لا يتوقف على ذلك، فهناك الأسلحة الجرثومية والكيمياوية مثلا.