تحولت أغلب برامج التوك شو بالفضائيات المصرية، خلال الأيام الماضية، إلى ساحة لتبادل الاتهامات وتقييم الآداء الإعلامى لكل منها، على خلفية أزمة قيام المذيعة ريهام سعيد، بنشر صور «مسيئة» للفتاة ضحية التحرش بأحد مولات مصر الجديدة. وشهدت تلك البرامج حالة من «الانفلات» والمواقف المثيرة لعل أبرزها الحوار الذى دار بين ريهام سعيد ومذيعة قناة المحور إيمان الحصرى، حيث أغلقت الأخيرة الهاتف فى وجه الأولى، عقب وصلة من التراشق بالألفاظ بينهما. المثير فى الأمر أن تلك الحالة من الفوضى الإعلامية ليست بالجديدة على الشاشة، فقبلها بأيام تعرض الإعلامى وائل الابراشى للشتيمة بلفظ خارج من المنتج أحمد السبكى قبل أن يتبرأ الأخير من الواقعة. كل هذه الممارسات وصلت للفضاء الإلكترونى وتم تدشين العديد من الجروبات لمقاطعة إعلاميين بعينهم بل الدعوة لمحاكمتهم علنا. ويبقى السؤال متى يمكن أن تنتهى هذه الفوضى الإعلامية؟ وماذا عن مواثيق العمل الإعلامى ودورها فى التصدى لتجاوزات بعض الإعلاميين وخروجهم عن النص باقتحام الحياة الخاصة للمواطنين؟ د.فاروق أبوزيد، العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، يرسم صورة قاتمة للواقع ويتوقع أن تزداد قتامة، بالقول إن المشهد الإعلامى الحالى سيزداد سوءا أكثر مما هو عليه، ويقول: «الإعلام حاليا يعمل بدون أى قانون حاكم لعمله على الإطلاق، والإعلام المرئى لا يخضع الآن لأى ضوابط، وأتوقع أن البرلمان المقبل سيسعى بشكل أو بآخر لتقييد حرية الإعلام والصحافة بسبب هذه النوعية من الممارسات السيئة الموجودة حاليا، وأتوقع أن تزداد الأمور تعقيدا». وأضاف: «المشهد الإعلامى الحالى فى مصر عانت منه الكثير من الدول الديمقراطية التى سبقتنا فى هذه التجربة ومنها على سبيل المثال أمريكا وانجلترا، ولكنهم نجحوا فى وضع ضوابط حاكمة للعمل الإعلامى، لدرجة أن كثيرا من المؤسسات الاعلامية هناك أصبحت توجه إعلامييها فى اتجاهات محددة من أجل أن تكون ممارساتهم قانونية تماما». وأكد أبوزيد أن الحل فى الوقت الحالى هو الاحتكام للضمير لأنه مع الأسف ما زالت هناك قوانين بحاجة للتشريع والظهور للنور، ولو أن هذا يمكن أن يكون تطبيقه صعبا لحد كبير، لأن الضمير وحده لا يكفى. واتفقت د. ليلى عبدالمجيد، العميدة السابقة لكلية الإعلام، مع الرأى السابق، وترى أن «المشهد الحالى يعتبر جزءا من الفوضى العارمة السائدة فى الإعلام، والذى خرج نتيجة أن كل واحد يعمل ما يحلو له دون وجود ضوابط، فضلاً عن ظهور العديد من المذيعين، الذين لا يصلحون أساسا للعمل الإعلامى، وحتى الأبحاث والاستطلاعات التى تخرج تكون مجهولة الهوية ومتضاربة ولا نعرف من ورائها أساسا، فضلاً عن سيطرة الإعلان والمعلنين على السوق الإعلامية، وتحول هؤلاء لما يشبه تجار الخردة الذين لا غاية لهم سوى كسب الأموال فقط، ومستعدون لفعل أى شىء فى سبيل ذلك، وبالتالى يلجأون لبرامج الإثارة والموضوعات الغريبة مثل الشعوذة والجن والعفاريت وغيرها من وسائل تغييب الجمهور وجذب انتباهه أيضا». وأضافت: «لا يوجد فى العالم كله أى مواثيق أو قوانين، تبيح للمذيع، ولو بجزء ضئيل للغاية أن يفعل هذه الممارسات أبدا، فالمواثيق تحض على احترام الزملاء، وما حدث بين ريهام سعيد وزميلتها إيمان الحصرى أمر غير مقبول أبدا ولا تبيحه أى مواثيق». والحل فى هذا، كما ترى عبدالمجيد، هو مقاطعة هؤلاء الإعلاميين، وبرامجهم حتى تنتهى هذه الممارسات السيئة. من جانبه أكد د. حمدى الكنيسى، رئيس الإذاعة الأسبق، أن الحل فى مواجهة الفوضى الإعلامية الحادثة هو وجود نقابة للإعلاميين، يخضع تحت منصتها كل العاملين فى الحقل الإعلامى المرئى والمسموع، وهذه النقابة تخضع لقانون يحكمها من قبل الدولة، وبالتالى فإن من يخطئ سوف يعاقب بشكل قانونى حتى لو كان يعمل فى فضائية خاصة. وقال الكنيسى: «ما حدث أخيرا ليس بالأمر الجديد على حالة الاعلام التى انزلقت للفوضى والانفلات بصورة لا تتفق اطلاقا مع مهنية الإعلام ورسالته، وتزداد المسالة عنفا عندما يمتلك الإعلام أحدث وسائل التكنولوجيا، ويتراجع دوره عن مساندة الدولة».