لم أضحك منذ زمن مثلما ضحكت، حينما تم اتهام الدكتور عمرو الشوبكى، بأنه «إخوان مسلمون»، لكنى حزنت كثيرا، لأن البعض ممن يفترض بهم الوعى والفهم صدقوا هذه «النكتة السمجة». أزعم أننى واحد من أكثر الذين يعرفون عمرو الشوبكى منذ عام 1982، حينما التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة، قسم صحافة. كلية الاعلام لم يكن لها مبنى مستقل وقتها، وكنا ضيوفا فى الدور الرابع بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كان الشوبكى طالبا بها، وتعرفت عليه، وأقنعنى وقتها بالانضمام إلى «نادى الفكر الناصرى» بالجامعة، ضمن مجموعة من زملاء وأصدقاء منهم إبراهيم عيسى وياسر رزق وإبراهيم منصور ومحمد الغيطى وأسامة خليل وندا القصاص. من يومها ولم تنقطع صلتى بالشوبكى، الذى كان الأخ الأكبر لنا جميعا، حتى بعد أن تخرج فى الكلية. لم يتغير الشوبكى إطلاقا، ولم يغير أفكاره الأساسية الخاصة بالعدل والحرية والعدالة الاجتماعية، لكن المؤكد أنه صار أكثر نضجا وانفتاحا، خصوصا بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون فى تخصص الإسلام السياسى. صار الشوبكى واحدا من ألمع الخبراء فى ملف الإسلام السياسى، وتطور حركاته وتنظيماته. والمؤكد أنه ضد أفكارها شكلا ومضمونا. بعد ثورة 25 يناير التى كان الشوبكى أحد رموزها، خاض انتخابات مجلس الشعب فى دائرة الدقى والعجوزة وإمبابة ضد أحد أهم كوادر جماعة الإخوان، الدكتور عمرو دراج، وفاز عليه باكتساح. ولا أعرف كيف يكون الشوبكى إخوانيا، وينافس الجماعة بأكملها فى دائرة كانت حديث الجميع وقتها؟!!. هل من الممكن ان يكون قد«تأخون» بعد ذلك؟!!. هو أيضا لمن نسى رفض عروضا وإغراءات كثيرة من جماعة الإخوان، لاستقطابه، بل صار أحد رموز جبهة الإنقاذ التى تصدت لحكم الجماعة حتى تم إسقاطها فى 30 يونيو 2013. بعدها تلقى الشوبكى عروضا مستمرة ليكون وزيرا وكاد يقبل إحداها، وأظن أنه لا يمكن لدولة 30 يونيو، أن تعرض الوزارة على إخوانى!!!!. كما لا يمكن لحملة عبدالفتاح السيسى الانتخابية أن تقبل داخلها إخوانيا، هو عمرو الشوبكى، الذى كان أحد أفرادها لأيام قليلة، وكان يفترض أن يشارك فى كتابة برنامج المرشح الرئاسى وقتها. مشكلة عمرو الشوبكى الحقيقية أنه لا يفعل إلا ما يرضى ضميره وقناعاته. آمن بثورة 25 يناير وثورة 30 يونيه معا، وآمن بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والدولة الوطنية القوية، كما ينبغى لها أن تكون، وظل محافظا على احترامه لنفسه. هذا الأمر تحديدا هو ما يقلق ويزعج ويربك كل المطبلين والمزورين والراقصين والجهلاء والشتامين. ورغم ذلك، فالإنسان الطبيعى لا ينبغى أن ينزعج كثيرا من كل الفئات السابقة، لأنها تفعله كل يوم مع أى شخص محترم أو نظيف أو مبدئى يحتلف معها. المشكلة الكبرى أن ممن يفترض أنهم فاهمون ومثقفون يصدقون بعض هذه التفاهات. وخلال الأسبوع الماضى، فوجئت بزميلة عزيزة تسألنى بجدبة: هل صحيح أن الشوبكى إخوان؟!!!. ثم فوجئت بصديق عزيز يخبرنى أن الأمر تكرر معه حرفيا مع سيدة مثقفة ومتعلمة وبنت ناس!!. لا أعلق على خيارات الناخبين، واحترمها دائما، لكن ألوم المناخ العام الذى يجعل نموذج عمرو الشوبكى تحت الحصار والتشكيك، بل ندفعه دفعا إلى الهجرة من المجال العام وأحيانا إلى خارج الوطن كليا. لا أتحدث عن الشوبكى الشخص، بل النموذج، مثل هذا النموذج هو ما تحتاجه مصر فى المرحلة المقبلة فعلا، إذا كانت تريد أن تتقدم حقا. لدينا الكثير من المطبلاتية والشتامين والشتامات بل والرداحات، لكن للأسف نموذج الشوبكى قليل، والأسوأ أننا نحاول أن نحشره حشرا فى الركن أو ندفعه لليأس والإحباط. فهل هذا ما نريده حقا؟!.