• «طرودي»: تحدينا الأنظمة السابقة في وقت كان الجميع يدفنون رؤسهم في الرمل.. وأنا ضد ثوار الصوت العالي ومحدثين الثورة كان اختياره لافتتاح أيام قرطاج الموسيقية بمثابة لقاء جديد له مع جمهوره التونسي، الذي يبحث فيهم منير طرودي وعبر كل حفلة عن حبيبة جديدة يغنيها الحانة؛ ليجذب من خلالها باقي الجمهور أنه المغني الذي حمل لواء الأغنية الصوفية ومزجها بالجاز، ليؤكد على تمرده الثوري وبحثه في جذور مجتمعه التونسي العربي الذي حاول الاستعمار تقسيمه وطمس هويته، فكانت الأغنية هي وسيلتهم للتمسك بالجذور. «الشروق» التقت المطرب والملحن والموسيقي التونسي الكبير منير طرودي، الذي يلقبونه ب"جيفارا الغناء" على هامش أيام قرطاج الموسيقية، ليفتح قلبه للقراء. • أطلقت على نفسك لقب «تشي جيفارا الغناء» لماذا؟ - هم من أطلقوا علي هذا اللقب؛ لأنني كنت في ملابسي ومواقفي وكنت رومانسيًا في مواقفي، وأعني بتعريف الرومانسية أن تضحي من أجل وقت ليس الوقت ومن أجل ناس قد لا تتاح لك الفرصة أن تعيش معهم، هذه رومانسية شبيهة برومانسية تشي جيفارا. • ألا ترى أن مزج الجاز بالموسيقى الصوفية غير معتاد ومستغرب؟ - إن أصل موسيقى الجاز في الأساس هو نوع من أنواع المعارضة، والتصوف هي حركة ثورية، ومع مرور الزمن صار التصوف فلكلوريًا وهم ثاروا على الإثنية العشرية وعلى نظرية الإمامة، وخصوصًا ثورة الحلاج.. والمشكلة أن الإسلام لا يوجد به توريث وهذه هي دعوة الحلاج الذي قاد ثورة ضد التوريث؛ فالرب واحد والطريق إلى الله واضح ولا يوجد وسيط لله، وأصول الحلاج الفارسية من ناحية الأم مهدت لهذا، وأنا أرى أن حركتي الصوفية والجاز لا يختلفان تاريخيًا، ووجدت أن الوعاء الموسيقي الذي يشبع ما لدي هو الجاز حيث إنه يحتوي على حرية كبيرة ولا يتقيد بقالب معين وبه مكان للجميع، ورغم كثرة الأنواع الموسيقية التي ظهرت في عشرينات القرن إلا أنه بقي شامخًا، ولهذا فهو وعاء موسيقي يعول عليه. • تتشابه تجربتك في الاستعانة بالجاز مع تجربة مطرب مصري باحث هو الآخر في جذوره هو محمد منير، لماذا تقودنا تجربة البحث في الأصول لموسيقى الجاز؟ - لأن الجاز في الأساس حركة تمرد زنجية ضد العنصرية، والجاز موسيقاه خماسية والسلم الإفريقي خماسي وأقرب موسيقى لأصولنا الإفريقية هو الجاز، والموسيقى الوحيدة التي لم تتأثر بالاحتكاك بما يسميه البعض بالموسيقى الشرقية -والحقيقة أنها موسيقى تركية- هي المناطق البدوية سواء بالصعيد في مصر أو بالصحراء أو في تونس، كما لدى البربر وهي الموسسييقى التي ليست موسسيقى رسمية أو موسيقى بلاط، ويمكن اعتبارها كمادة خام ومادة أصلية لموسيقى البلاد، وهو في مصر أو ليبيا أو تونس هي الموسيقى التي بها خصوصية البلد والقارة، ومزجها بالجاز يعد رجوعًا للجذور وللأصول. • أنت كنت أحد المشاركين في واحد من أبرز عروض الموسيقى الصوفية عالميًا -عرض "الحضرة"- ما يؤكد البعض عدم إمكانية تكراره فلماذا؟ - أنا وبالرغم من أنني من أبناء الحضرة حيث كنت أحد مطربيها عام 1993، إلا أنه لدي مشروع اسمه "الزيارة"؛ وهو مشروع وبرغم صعوبة الفترة الماضية وفقدان الناس للثقة في النزول للشارع وتصديقهم لأسطورة الإرهاب، وهذا العرض يشبه الحضرة لكنه يمتاز بكونه شابًا، ومعدل أعمار الفنانين به 23 عامًا، وسأكون أكبر المطربين فيه عمرًا، وهذا المشروع سيذهب أبعد بكثير من الحضرة التي حكم عليها بالمعاش المبكر؛ لأن مستوى الاعمار كان كبيرًا، فأنا كنت أصغر المشاركين بها، وسيكون عمر المشروع الأكبر لأن الشباب هم أهم شئ بالعرض فحالتهم الجسدية والموسيقى بالطبع كلها ستؤثر على استمراره أم لا، ورهاني على استمراره نتيجة لاستعانتي بالشباب وقدرتنا على معالجة الأخطاء التي ستظهر عرضًا بعد الآخر وعامًا بعد الآخر. • أنت تصدر ألبومًا كل ستة أعوام، أي أنك وعبر مسيرتك كلها لك أربعة ألبومات، ألا ترى أن هذا عددًا قليلاً؟ - بالطبع اتفق معك أنه عدد قليل من الألبومات، لكنك ستجدني في الكثير من الألبومات وخصوصًا أنني لا أستطيع أن أرفض أي طلب للمشاركة في أي مشروع غنائي حتى لو لم يكن مشروعي، وأنا أعتقد أن مهمتي هي التعليم ومساعدة الجميع؛ فالفنان يجب أن يكون مثل النبي يعطي رسالته وموهبته ومشروعه الموسيقي للجميع، فهو ليس مغنيًا ولم يخدم مشواره كمطرب يغني بل قرر تطوير مشواره كموسيقي، وهو له شكل مميز حتى في ملابسه وموسيقاه، وكان الناس يتسائلون عن شكل موسيقاه وملابسه، وأطالب الجمهور أن يسمع الموسيقى لا ينظر لشكل أو ملبس من يغنيها. • أنت ومحمد منير تتشابهان كثيرًا لماذا لم يحدث أي تعاون بينكما؟ - سأكون سعيد جدًا لو جاءت الفرصة. • سمعت تجربة منير الصوفية في ألبوم "مدد"، وكيف تراها؟ - أنا أحب محمد منير، وله لون خاص به ويعجبني تمسكه بمبادئه وكأنه في عالمه الخاص، وباقي المطربين المصريين في عالم آخر. • هل سمعت عن هجوم البعض عليه واتهامه بأنه ليس ثوريًا كأغانيه؟ - وما المشكلة!! أنا لي أغنية اسمها "نشيد الثوار" تقول كلماتها "زمان كنا ثوار.. رجال أحرار.. لا نخاف الثلج ولا النار.. لا حنينا الروس ونكسنا ولا بوسنا إيدين القهار.. ولا لحسنا سبابطة.. ولا عفسنا ولا بعنا مرة لسمسار.. مشينا عالحصحاص.. وحملنا ونقينا شوك ومسمار.. ولا رقدنا لحظة ولا نعسنا ولا غفلنا ليل ولا نهار.. لا شطحنا مرة ولا رقصنا مع الطبالة والذكار.. ولا بايعنا ولا ناشدنا ولا قبضنا يورو ولا دينار.. ولا رخصة لواج ركبنا ولا هيك سبنا ديار.. ولا سلطة علينا تنفسنا.. وكتبنا تاريخ نضيف وقت هما كانوا صغار.. ولا قامرنا ولا بزنسنا.. ولا هتكنا عرض الجار وشدينا الحمص على أنفسنا.. ولا قودنا على الجيران – بمعنى المخبر-.. ولا عملنا لجان اليقظة يعسوا على الأجوار.. وسيبنا كيف كانوا يغنوا وما حبيناهمش نهار وين جونا الثوار حبسنا وخليناها للثوار.. يورونا الثورة العصرية وكيف نقدوا شعار.. لا سمعنا بلينين وماو ونقول ما نقري كيف شعار.. ولا شوفنا جيفارا الثاير ولا الدغباشي يحارب في الاستعمار.. كثرت الأحزاب ولا فهمنا يمين ولا يسار.. زمان كنا صناديد كان القط يشد الفار والذيب صحة النعجة.. نعجة ولو طار.. خسارة الثواراللي لا تحشم -تخجل- ولا فيها الخد الأحمر -يحمر خدها من الخجل-.. الأقلام ارتفعت يا سادة وصفحتكم بيضاء بلا أحبار أحكوا للذر تصدقكم.. التاريخ كتبناه أشعار واللي ما كتبش تاريخه سامحني نقوله ترو تار -يعني فاتكم القطار. "وانتقد فيها الثوار أصحاب الصوت العالي حاليًا، فأنا أول من غنى (سيب صالح يا عمار) في وقت كان فيه الكثيرين صامتين، وأين من يصفون أنفسهم الآن بالثوريين وصوتهم العالي؟! • قبل تنحي حسني مبارك كنت أعلنت عن دعمك للثورة المصرية وكذلك مشروع لدعم الثورة المصرية، حدثنا عن هذا المشروع؟ - أنا كنت أمام السفارة المصرية وحملة المظاهرة بدأنا بأربعة أشخاص، وصلنا لمئات أمام السفارة المصرية. • التطابق كامل بين الثورتين التونسية والمصرية بكل مراحلها، كفنان يعتنق الثورة كيف ترى المسار القادم؟ - أنا أرى أن الثورة تحقق أهدافها ببطء؛ لأن الشعب العربي بطيء بطبعه، وأنا متفائل وأعتقد أن الوقت هو الذي سينصرنا والشعوب تسعى والله هو الذي قرر توقيت نجاحها، فقد يرسب التلميذ كي ينجح في توقيت أفضل عندما يكون جاهزًا، والثورة ستنجح عندما تنضج بما فيه الكفاية. فمن كان يتوقع سقوط مبارك أو بن علي، وأنا مؤمن بجيفارا أكثر مما أؤمن ببعض القادة العرب، والله قال إنه رب العالمين وليس رب المسلمين، وأرى أن شارون نعمة من عند الله فلو لم يكن شارون لما حدثت الانتفاضة والشيطان نفسه نعمة من الله فلو لم يوجد الشيطان لما وجدت المحنة. • عرضك في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية سميته "الناقوز"، لمن يدق منير الناقوس كما ننطقه بلهجتنا المصرية؟ - هو ناقوس خطر ضد الرجعية وناقوس خير لتأسيس مرحلة جديدة من الموسيقى، والأغنية تحكي عن اضطهاد البربر بتونس وأنا لا أؤمن بالأقليات وأؤمن أن البربر عرب جاءوا من فلسطين والعربية أقرب اللغات للغتهم، وهم من بر بن قيس، ولكن الفرنسيين في الجزائر خصيصًا عملوا على التفرقة بيننا وعلموا البربر كل شئ إلا العربية والإسلام، وأنشأوا جامعة البربر بباريس وتدخلوا حتى في الكتابة البربرية وجعلوها لاتينية، ولو ذهبت لأماكن البربر تجد الكتابة اسمها "تفيناق"، والبربر يسمونها "تافيناغ" لأنهم لا ينطقون القاف ينطقونها غين، ولتلاحظ لهجة الخوان بالسودان ولهجة الطوارق جاءوا من اليمن ثم شمال إفريقيا ونفسها لهجة الموريتان، وهم عرب وعندما جاء الأتراك والاستعمار العثماني كانوا يضطهدون البربر والعرب في تونس في "أوجلات"، وعملوا عسكر زواو وهو مقدم في الصف ومؤخر في الرواتب، وهذه الأغنية تقول: "نقوز الكاليس اتكلم -الكاليس هي الكارتة أو العربة بالخيل- يا سيدي البي اصغالي جيت نشكي"؛ وهي اغنية ثورية بدوية فلكلورية، وبدأت بها في افتتاح الأيام لجذب الجماهيبر وأنا أغني ومنذ 14 عامًا في مشروعي مع مراعاة جانب النطق والإلقاء والموسيقى. • رقصاتك على المسرح هل معدة سلفًا أم من وحي اللحظة؟ - الرقص نوع من أنواع التعبير، وهي وليدة اللحظة، لكن نتيجة عمل وخبرة وليست اعتباطية، وأحيانًا أرقص من خارج الريتم فالرقص لدي يحكي شيئًا للناس، وملائمًا لحالة الأغنية وحالتي الوجدانية، وهو شكل من أشكال المتصوفة وأحيانًا تكسبك ود الجمهور؛ فأنا أعتبر لقائي مع الجمهور وكل حفلة جديدة وكأنها ليلة زفافي، وكيف أجذبها لي وتستأنس بي، ومن قبل كنت مع فاضل الجزيري في عرض اسمه نجوم، وكان عن مئة عام من الغناء في العربي، وخلقنا صورًا غير معتادة لمشاهير العالم العربي مثل محمد عبد الوهاب وفيروز وأم كلثوم، وأنا قدمت علي رياحي وهادي جويني، وقدمت دور مجنون ومحب وأعمى، وقتها كنت في أوائل العشرينات من عمري وكنت أتعلم التعبير وكانت لدينا فتاة اسمها هالة كانت جميلة جدًا لأن صديقها الإيطالي انتحر عندما أحبت شابًا آخر، ولم أكن أحلم بالحديث معها، وجاء فاضل وجعلني أرقص التانجو معها وفي البروفات جعلها تجلس قبالي وطالبني أغني "حبي يتبدل يتجدد"، وقتها غنيت كما لم أغني طوال عمري؛ لأنني كنت لا أتخيل أن أتحدث معها، وهنا عرف فاضل كيف يخرج مني كل هذا الحب، وقال لي "كلما قدمت حفلة اختر فتاة جميلة وغني لها في هذه الحفلة، وتخيل كأنك تحبها.. لو صنعت هذا، فالجمهور كله سيحبك، وطاقة النظر تساعدك على التواصل معهم أفضل"، وهو درس تعلمته من مخرج "الحضرة" فاضل الجزايري، ومن وقتها كل حفلة تكون لدي حبيبة جديدة وأنا أعيش بالحب. • ما جديدك؟ - لدي مشروع مع عبد الله المنياوي، وهو مصري، للعمل على أشعاره وأنا بالموسيقى والغناء، ومعنا عازفة سورية بالفلوت، وعازف إيراني بالمزود، وبريكشن فرنسي.