ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يلقى فيها النائب وليد جنبلاط حجرا فى مياه لبنان إذا ركدت. هذه المرة ألقى بالحجر بعيدا فتحركت مياه عربية راكدة وراحت إسرائيل وإيران وتركيا ودول أخرى خارج الشرق الأوسط تعيد النظر فى حساباتها. تحدث وليد بك فى اجتماع ضم أعضاء التحالف الذى يضم حزبه التقدمى الاشتراكى وحزب المستقبل الذى يرأسه سعد الحريرى والقوات اللبنانية التى يرأسها سمير جعجع. قال إن التحالف استنفد أغراضه ويجب ألا يستمر، ووصف الانتخابات النيابية التى فاز فيها التحالف وحقق الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة بأنها «كرست أوضاعا طائفية يجب أن نتخلص منها». وبرر قرار اشتراكه فى هذا التحالف بأنه كانت تحكمه الظروف الموضوعية الموجودة آنذاك واعتبر القرار «حالة انحراف وانجرار إلى اليمين وأن حزبه يجب أن يعود الآن إلى مواقعه اليسارية». قال أيضا إنه يعتبر زيارته إلى واشنطن فى عام 2005 «نقطة سوداء فى حياته وحياة الحزب» حين التقى المحافظين الجدد الذين حسب تعبيره دمروا العراق وفلسطين. وقال إن لبنان يجب أن يعود إلى سوريا، مدخله إلى العالم العربى. وقلل من قيمة ثورة الأرز التى كان هو نفسه أحد أهم قادتها وتسببت فى إخراج سوريا من لبنان. لم تفاجئنى كلمات جنبلاط التى نطق بها أمس. كما لم تفاجئنى قبل سنتين تصريحات أدلى بها فى واشنطن فى أعقاب اجتماعاته بكبار ضباط المخابرات الأمريكية والمسئولين فى البيت الأبيض والخارجية وتصريحاته فى باريس وغيرها عندما كان يحرض على إسقاط النظام السورى ونزع سلاح حزب الله أو ضبطه وفرض الحصار على إيران. يقول الآن إنه كان مخطئا ويعتذر لأن من قابلهم فى الولاياتالمتحدة كانوا يخططون لدمار المنطقة العربية. عودنا وليد بك على شطحاته وتقلباته الفكرية والسياسية وانتقاله من تحالف إلى آخر ومن موقف إلى موقف. إلا أن ما يجعل شطحة الأمس مختلفة، أنها، إن صدق وليد بك، ستقلب الوضع السياسى فى لبنان رأسا على عقب، بمعنى أنها يمكن أن تتسبب فى شل قدرة الأغلبية على تشكيل حكومة أو تجعل الأغلبية فى المجلس النيابى أقلية والأقلية التى يقودها حزب الله أغلبية. لا أستبعد أن يكون السيد جنبلاط، ذو الحس السياسى المرهف، شعر أن دولا عربية وبخاصة السعودية، عادت تخطب ود سوريا، وأن الولاياتالمتحدة فتحت أبواب الحوار معها وأن دور سوريا فى مسيرة السلام بين إسرائيل والدول العربية عاد مؤثرا وفعالا، وبالتالى لم يعد أمامه سوى خيار أن يركب القطار السورى قبل أن يفوته. كانت حجته ومازالت أنه مسئول عن طائفة تسكن أشد مناطق لبنان خطورة وأهمها استراتيجيا، فالجبل الذى يأوى الدروز هو الرابط بين بيروت والجنوب، وهو الرابط بين بيروت والبقاع، أى أنه الرابط بين بيروت وحدود إسرائيل من ناحية وبين بيروت ودمشق من ناحية أخرى. ولن يوجد فى لبنان أو خارجها رجل سياسة أو حرب يهمل أو يتجاهل هذه الحقيقة.