رفوف الواجهة محجوزة لكتب ماركس وإنجلز ورفعت السعيد وأمين العالم. المنضدة فى المنتصف لروايات صنع الله إبراهيم وإبراهيم عبدالمجيد وكتب حسن حنفى وسيد القمنى. على اليسار المجموعة الكاملة لفرج فودة، فى حين تحتل الأعمال الكاملة لسلامة موسى الرفوف الملاصقة لفاترينة العرض. الزوار القدامى لمكتبة دار المستقبل بمحطة الرمل بالإسكندرية كانوا يحفظون التقسيم الثابت المميز. على مر الشهور الأخيرة، تغير شكل المكتبة. بجوار كتب موسى ظهرت كتب تعليم الكونغ فو والكاراتيه، وعلى المنضدة كتب لتعليم الإنجليزية والسحر واستخراج الجان من جسد الإنسان ومتعة الفراش، فى حين انزاحت أعمال فرج فودة ليحل مكانها كتب الشيخ محمد حسان ووجدى غنيم وغيرهما من كتاب التيار السلفى. تستمد الدار اسمها من مجلة المستقبل التى نشأت فى 1914، وكانت واحدة من العديد من المجلات الثقافية والسياسية التى أسسها وحررها سلامة موسى، الكاتب الكبير وأحد رواد النشر فى مصر. يتفق كثير من المؤرخين أن سلامة كان أول من ابتدع كلمة اشتراكية كترجمة لكلمة socialism بدلا من كلمة «المجتمعية» التى كانت سائدة من قبله. وألف سلامة أول كتاب بالعربية عن نظرية النشوء والارتقاء لداروين، وترجم العديد من أعمال صديقه البريطانى برنارد شو. وفى 1939 غامر بطباعة الرواية الأولى لكاتب شاب لم يكن له شهرة وقتها، وهى رواية عبث الأقدار لنجيب محفوظ. شارف سلامة موسى على الإفلاس أكثر من مرة لإصراره على الإنفاق على نشر الفكر الذى يؤيده حتى لو كان ذلك على حسابه الخاص، واضطر إلى بيع مصوغات زوجته لينفق على مجلة «اليومية» فى 1950، التى لاقت تضييقا من حكومة الوفد بسبب أفكار سلامة الاشتراكية. بعد أن توفى موسى فى 1959، استكمل ابنه د. رءوف سلامة موسى مسيرة أبيه فى النشر. «د. رءوف كان رافض حاجة اسمها الماديات»، كما يصفه فوزى فاضل، مدير فرع دار المستقبل بالفجالة. فرغم نصح بعض العاملين بالدار له ببيع الكتب الرائجة للمكتبة، رفض د.رءوف التخلى عن الطابع العلمانى اليسارى للمكتبة. ركز على بيع كتب نقد التراث والميثولوجيا وترجمات الأعمال الفلسفية، وأعاد نشر الأعمال الكاملة لأبيه وأعمال د. فرج فودة، إلى جانب منعه للكتب السلفية وكتب الدعاة الجدد، أصر د. رءوف طوال حياته على ألا يبيع كتب أنيس منصور، ففى كتاب 200 يوم حول العالم يصف أنيس جلسة تحضير أرواح يقول فيها إنه قد استحضر روح سلامة موسى فأخبرته بأنه قد ندم على أفكاره الاشتراكية بعد أن أدرك أنها غير ذات جدوى. وهو ما دعا د. رءوف إلى مهاجمة أنيس فى كتاب سلامة موسى أبى، والسخرية من كتبه التى يراها تروج للخرافة مثل الذين صعدوا إلى السماء أو الذين عادوا من السماء. «كان د. رءوف يأخذ من المكتبة مصروفا أسبوعيا، يكفى فقط لطعامه وأجر الطاهية التى تحضر له وجباته، قبل وفاته منذ عامين ونصف»، والكلام مازال لفوزى الذى يعمل بالدار منذ أكثر من 20 عاما. يقول فوزى إنه يحاول بجد أن يساعد فى الحفاظ على نهج د. رءوف، وأن يزيل أى كتب بها شبهة السفه أو خدش الحياء. وأنه مؤخرا قد سافر إلى فرع الإسكندرية ليتأكد من أن الكتب القديمة معروضة فى أماكنها التى تليق بها. «لكن خد بالك إنك بتتعامل مع سوق»، على حد قول سمير محمود، مورد كتب بالدار، «والسوق عايز كده». يقول سمير إن الجيل الجديد من القراء لا تجتذبه كتب سلامة موسى على الأرفف، «اللى يعرف سلامة موسى بيسأل عليه مخصوص». بالمقارنة، فإن كتابا مثل «أحداث النهاية» للشيخ محمد حسان، نفدت طبعته من المكتبة 5 مرات. «ولما القارئ يسأل عن الكتاب مرة واتنين وتلاتة، يبقى نعمل إيه؟ لازم تجارى السوق». مازال بالدار قبس من شكلها القديم. توجد هناك نسخ نادرة لكتب سلامة موسى، مثل كتاب «المقالات الممنوعة» والذى طبع ببيروت ويضم مقالاته التى منعت من الصحف المصرية. مثل مقال يسب فيه الملك فاروق بأنه «حيوان» وآخر ينتقد فيه طه حسين والعقاد ويتهمهما بالركون إلى حياة الرفاهية والخوف على المناصب، ومقال ثالث يوصى فيه بإحراق جثمانه وذر الرماد فى الريح بعد موته. ورغم أن اللافتة الجديدة للمكتبة تعلن أنها تبيع المصاحف دون إشارة لكتب أى ديانة أخرى، فإن كتب سلامة موسى مازالت تحمل قوله «أحب المسيح، وأعجب بمحمد، وأستنير بموسى، وأتامل بولس، وأهفو إلى بوذا». «إحنا ناويين نعيد طبع كثير من الكتب القديمة وتطوير الدار»، يقول فوزى، ولكنه يضيف أن هذا التطوير يحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة، «ولو مشينا بنفس طريقة د. رءوف حنضيع».