تبرهن الشواهد على أن موجة حديثة من العقاقير التجريبية لمكافحة السرطان التي تجند مباشرة الخلايا التائية القوية بجهاز المناعة، تبدو أسلحة فعالة للغاية ضد الأورام، وربما تحول دفة سوق عالمية حجمها 100 مليار دولار، لإنتاج أدوية للقضاء على هذا المرض العضال. إلا أن مخاوف تنتاب كبار العلماء في مجال الأورام بشأن أسلوبين تقنيين حديثين مستشهدين بمخاطر رصدت مرارًا في التجارب الإكلينيكية، منها احتمال تراكم مواد سامة جراء خلايا الأورام الميتة، والضرر الذي يلحق بالأنسجة السليمة. وقال باحثون ومسؤولون في شركات للمستحضرات الدوائية في مقابلات مع رويترز، إن مثل هذه الآثار الجانبية قد تقف حجر عثرة دون موافقة الجهات الرقابية الطبية ما لم يتم تذليل هذه العقبات. وفي بعض التجارب، فإن الأسلوبين الحديثين، ويعرف الأول باسم مستقبلات انتيجن الخلايا التائية المختلطة، ويسمى الثاني الأجسام المضادة المتخصصة المزدوجة، تمكنا من القضاء المبرم على جميع الخلايا السرطانية في الدم في 40 الى 90 في المئة من المرضى، ممن لم يتبق أمامهم أي خيار علاجي آخر. وقد تدر المبيعات السنوية من منتجات هذه العقاقير عشرات المليارات من الدولارات، لاسيما إذا تمكنت من القضاء على الأورام الأخرى لدى مرضى ميئوس من شفائهم. والأسلوب الأول المعروف باسم مستقبلات انتيجن الخلايا التائية المختلطة؛ عبارة عن خلايا تائية تم استخلاصها من الجسم وألصقت من خلال الهندسة الوراثية بجزء من جسم مضاد، يمكنه التعرف على بروتين خاص بالأورام. والخلايا التائية التي تفرزها الغدة الصعترية بالجسم أحد أنواع خلايا الدم البيضاء القوية المتخصصة في التصدي للأمراض. والنتيجة هي عقار له قوة قتل مرتبطة بخلايا تائية معززة بدرجة كبيرة، ويقترن ذلك بجسم مضاد قادر على رصد الأورام. والأسلوب الثاني المسمى الأجسام المضادة المتخصصة المزدوجة؛ عبارة عن خليط من الأجسام المضادة التقليدية والبروتينات ذات الشعبتين، مثل حرف (Y) بالإنجليزية التي يمسك ذراعاها بنفس البروتين المستهدف الموجود على الخلايا السرطانية. وفي هذا الأسلوب، تمسك الذراع الأولى بخلايا الأورام، فيما تتحكم الثانية في الخلايا التائية وتقتنصان العدو القاتل ثم تحدث الخلايا التائية ثقوبا في الخلايا السرطانية المجاورة وتحقنها بإنزيمات قاتلة. وعلى النقيض، فإن الأجسام المضادة التقليدية لا تجند الخلايا التائية مباشرة. وفي حالة الموافقة على أسلوب مستقبلات انتيجن الخلايا التائية المختلطة، فقد يتكلف العلاج من 300 ألف إلى 500 ألف دولار للمريض الواحد، ليصبح من أغلى العقاقير في العالم. وتقترن فعالية العقاقير التجريبية ببعض الآثار الجانبية الخطيرة، ففي عملية قتل الخلايا السرطانية تنطلق كيماويات مسببة للالتهابات من الأدوية ومن الخلايا السرطانية إلى الدم، ويمكن أن تسبب الحمى وانخفاض ضغط الدم وتسارع نبضات القلب، مما يهدد حياة المريض. وفي أسلوبي مستقبلات انتيجن الخلايا التائية المختلطة والأجسام المضادة المتخصصة المزدوجة، تتعرف الأجسام المضادة على سرطان الدم، من خلال بروتين معين يطلق عليه اسم (سي.دي 19) يوجد على أسطح خلايا الأورام الليمفاوية والدم، نظرًا لوجود نفس البروتين على الخلايا غير السرطانية، فإن العقاقير قد تضل طريقها وتهاجم الأنسجة السليمة. وفي ديسمبر الماضي، وافقت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية على استخدام أسلوب الأجسام المضادة المتخصصة المزدوجة لأول مرة وعلاج بلينسايتو لشركة أميجن لعلاج سرطان الدم الحاد، الذي لم يستجب لعلاجات سابقة وهو علاج يتكلف 178 ألف دولار. ويشيع هذا النوع من السرطان بين الأطفال، ويصاب به كل عام ما يقدر بنحو 6020 أمريكيًا يتوفى نحو ربعهم.