أزماتنا الداخلية كثيرة، والانفجارات الإقليمية مستمرة، والمسافات الفاصلة بيننا وبين البشرية المتقدمة بالعدل والعلم والحقوق والحريات تزداد اتساعا؛ أليست هذه إذن لحظة لتواضع الفاعلين الرئيسيين فى المشهد المصرى، ولإدراك عدم احتكارهم للحقيقة المطلقة وللتفسيرات القاطعة وللحلول مضمونة النجاح، وللبحث لنا بتجرد وموضوعية عن مخارج تمزج بين المدى الزمنى القصير والمتوسط والطويل وتنتصر لمصر العادلة والمتقدمة؟ هل نقوى على الاعتراف الجماعى بالمظالم والانتهاكات، والمظاهر المتكررة للعصف بسيادة القانون التى مازالت تتراكم، ونتعهد بإيقافها وبجبر الضرر عن الضحايا وتمكينهم من حقوقهم وحرياتهم، وبإعمال قواعد العدالة الانتقالية التوثيق / المكاشفة / المساءلة / المحاسبة / التسامح؟ هل نقوى على الاعتراف الجماعى بخروجنا على مسارات التحول الديمقراطى، وبنزوع منظومة الحكم / السلطة الراهنة إلى بناء سلطوية جديدة، وبالكلفة المجتمعية المرتفعة للتورط فى ممارسات وإجراءات قمعية وللتداعيات بالغة السلبية على مؤسسات وأجهزة الدولة التى تعمل فى بيئة سكانية قلقة وفاقدة للثقة فى قيم العدل والحق والحرية، ونتعهد بالبحث عن عودة منظمة وآمنة إلى تحول ديمقراطى عماده احترام سيادة القانون وبناء الهيئات المدنية المنتخبة وإطلاق طاقات وجهود المواطن والمجتمع المدنى دون تهجير أو حصار وتفعيل مبادئ النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية، ومن ثم نحيى السياسة التى أميتت؟ هل نقوى على الاعتراف الجماعى بضرورة التزام المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية بأدوارها الطبيعية المتمثلة فى الدفاع عن البلاد وصون سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها والمشاركة (تحديدا الأجهزة الأمنية) فى الإنفاذ العادل للقانون وفى حماية السلم الأهلى وتماسك الدولة الوطنية، ونتعهد بدفعها سلميا وعبر تفاوض مجتمعى واسع وتدرجى إلى الامتناع عن التدخل فى شئون الحكم / السلطة أو فى النشاط الاقتصادى أو فى المجال العام بوسائل إعلامه وباتجاهات الرأى يين المواطنات والمواطنين وإلى قبول القواعد الديمقراطية التى تؤسس لحيادية واحترافية المكون العسكرى الأمنى وتخضعه لسيادة القانون ولرقابة الهيئات المدنية المنتخبة؟ هل نقوى على الاعتراف الجماعى بتهافت المقايضات السلطوية بين الحرية والأمن، وبمحدودية فاعلية الترويج للرأى الواحد والصوت الواحد على المدى الزمنى المتوسط والطويل لأن الكثير من الناس حتما سيستفيق ولو بعد حين ولأن القبول الشعبى للمروجين (طيور الظلام) ولمقولاتهم مآله التهاوى، وبكارثة أن تدار شئون المواطن والمجتمع والدولة عبر إستراتيجيات التخويف وتزييف الوعى العام وتغييب الحقائق والمعلومات، ونتعهد بالحوار الموضوعى والهادئ بشأن سبل المزج بين مقتضيات سيادة القانون والحقوق والحريات وبين الأمن التى لها أن تمكننا من إيقاف الانتهاكات ومنع طغيان الأمنى على المجتمعى وتحول أيضا دون تفريط فى أولوية المواجهة الحتمية للإرهاب والعنف والتطرف وجميع تحديات أمننا القومى؟ هل نقوى على الاعتراف الجماعى بضرورة الفصل بين الدين وقضايا الحكم / السلطة وأمور الدولة التى لا تحتمل شرعية مؤسساتها وأجهزتها تورطا فى الخروج على حياديتها إزاء جميع المواطنات والمواطنين أو امتناعا عن مناهضة التمييز بجميع أنماطه أو تهاونا فى إقرار مواطنة الحقوق المتساوية، وبضرورة استقلال المؤسسات الدينية الرسمية عن إرادة الحكم / السلطة والتوقف عن استخدامها لتبرير السياسات والقرارات الرسمية، وبضرورة التزام الفاعلين الرئيسيين فى المشهد المصرى والمشاركين فى الشأن العام بقيم السلمية والعلنية ونبذ العنف والعمل فى إطار الهوية الوطنية وسيادة الدولة المصرية، وبضرورة إدارة تنافسها وتدافعها بقبول للآخر وباحتكام للمواطن وتفضيلاته وبعدم استغلال الأوضاع المعيشية المتدهورة لأغلبيتنا وكثرة احتياجاتنا للحصول على مكاسب انتخابية وبلوغ مواقع تشريعية أو تنفيذية بالمال الانتخابى أو «بالدعم النقدى» للفقراء من قبل الأحزاب أو بقوافل حزبية علاجية؟ عندها سنخرج بمصر من أزماتها وعثراتها الراهنة، ونصنع لها السياج الحامى من انفجارات الإقليم، ونعيدها إلى مسارات تطوى المسافات الفاصلة عن البشرية المتقدمة. غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.