من 100 سنة، مرسوم ملكي بحل أول مجلس نواب مصري بعد دستور 1923 (فيديو)    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    الأقباط يؤدون صلوات الجمعة العظيمة بكنائس قنا    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    برلماني: تدشين اتحاد القبائل العربية لمواجهة خطط الطامعين    مطران دشنا يترأس طقس الجمعة العظيمة بكاتدرائية مارجرجس    توريد 102 ألف طن من القمح حتى الآن لموسم الحصاد الحالي في أسوان    رئيس شعبة مواد البناء: سعر طن الحديد تراجع 22 ألف جنيه خلال شهرين    إيقاف أعمال مخالفة بقطاع حي المصالح في قنا    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    وزير الشباب والرياضة يتفقد معسكر "يلا كامب" بمدينة دهب    خبير: ابدأ ترسخ توطين الصناعة وإنشاء مشروعات تتوافق مع السوق المحلي والأجنبي    "حياة كريمة" تكثف جهودها وتواصل مبادراتها لدعم القضية الفلسطينية    بسبب سوء الأحوال الجوية، أمريكا تغير مكان تجميع رصيف غزة العائم    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا ستظل مستمرة    بانسيرايكوس القبرصي يكشف تفاصيل فسخ عقد عمرو وردة    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    سبب رفض الكثير من المدربين فكرة تدريب البايرن    حريق يلتهم 200 نخلة بكلح الجبل في إدفو بأسوان    التربية والتعليم: نظام التصحيح الإلكتروني "بابل شيت" لا يشوبه أخطاء    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    تسرب غاز السخان.. إصابة طف.لين باختناق في الدقهلية    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    ريم أحمد تنهار من البكاء في عزاء والدتها (فيديو)    بعد عرضها فيلم السرب في قصور الثقافة.. مصطفى بكري يوجه الشكر للشركة المتحدة (فيديو)    "ربنا يتصرف فيكم".. فريدة سيف النصر ترد على الاتهامات في كواليس "العتاولة"    في اليوم العالمي للصحافة، 5 مطالب لاتحاد الصحفيين العرب    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    أحمد كريمة: علم الطاقة «خزعبلات» وأكل لأموال الناس بالباطل.. فيديو    حسام موافي يقدم نصيحة للطلاب قبل انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    «السمكة بتخرج سموم».. استشاري تغذية يحذر من خطأ قاتل عند تحضير الفسيخ (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    بقير: أجانب أبها دون المستوى.. والمشاكل الإدارية عصفت بنا    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من العالمية إلى العولمة

شهد الربع الأخير من القرن العشرين نقاشا مستفيضا حول ظاهرة العولمة، التى أدت فيها ثورة المعلومات والاتصالات إلى ربط مختلف أرجاء العالم لتجعل منه «قرية كبيرة». وحدث التحول فى ختام سلسلة من الأحداث مر بها العالم منذ بداية القرن العشرين، لا يجوز تناسيها ونحن نتطلع إلى رسم خريطة المستقبل وتبيّن موقع كل من الدولة القومية والفرد فيها، نستعين بها فى وضع أسس دولة قادرة على المشاركة فى توجيه حركة العالم إلى ما فيه صالح البشرية.
•••
وفى لمحات سريعة نوجز أهم الأحداث التى أعادت تشكيل كل من العالم والدول والأقاليم حتى أوصلتنا إلى الحاضر. ففى بداية القرن العشرين كان المتحكم فى خريطة العالم إمبراطوريات بنتها دول قومية، بعضها نحا بها منحى إمبريالىا، يقوم على الاستيلاء قسرا على أراضى أقوام آخرين، للاستيلاء على حصيلة أنشطتها الاقتصادية. وكانت مصر ضمن الدول التى أخضعتها الإمبراطورية العثمانية منذ 1617 متذرعة برفع راية الخلافة، فلم تعن بتحسين أحوالها، واكتفت بفرض الخراج والجزية عليها، وهو ما دفع المصريين إلى ثورات عديدة عندما اشتط الولاة فى فرضها. أما البعض الآخر فقد نحا منحى كولونيالىا استعمارىا، ليعزز حركة التصنيع التى توالت حلقاتها بخامات يجبر المستعمرات على توفيرها له مقابل تصدير جانب من منتجاته الصناعية. وكان فى المقدمة الإمبراطورية البريطانية التى وصفت بأن الشمس لا تغيب عنها. وفرضت تلك الدول الرأسمالية نظاما للتجارة الدولية يقوم على ما يسمى المزايا النسبية، اختصت لنفسها منه ما يقوم على المعرفة الفنية وحصرتها للدول التابعة فى الهبات الطبيعية، وتصارعت فيما بينها لانتزاع أكبر قدر من المستعمرات. وانتقلت الإمبراطوريات الأوروبية من سلسلة حروبها الإقليمية تتنازع فيها على ممتلكاتها، إلى حربين عالميتين فصل بينهما عقدان، شهد ثانيهما حروبا تجارية تسبب فيها الكساد الكبير الذى فجره انهيار بورصة وول ستريت فى 29/10/1929 فى أعقاب موجة رواج وتضخم فى الولايات المتحدة.
وهكذا اتخذت الحروب السياسية والتجارية أبعادا عالمية، أشركت فيها دول لا ناقة لها فيها ولا جمل سوى أنها وقعت أسيرة الاستعمار المباشر. ودفع ذلك النوع من الصراع إلى مناداة البعض بإقامة وحدة عالمية universal. ولكنها فشلت لعدم توفر الأسس الموضوعية التى تكفل نجاحها. فاتجه التفكير إلى تغيير النظام الكلاسيكى السائد فى الدول الرأسمالية التى تدعى الحرية لأبنائها، باقتران ديمقراطية سياسية بحرية للأسواق. فقامت ثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية فى روسيا، بينما عمدت دول هزمت فى الحرب العالمية الأولى إلى إعادة بناء نظمها السياسية مقتدية بالنموذج اليابانى الذى شكل مركزا استعماريا فى شرق آسيا، تلعب فيه الدولة دورا بارزا فى الشؤون الاقتصادية، فظهرت الفاشية الإيطالية فى العشرينات والنازية الألمانية فى الثلاثينات، واتجهت الدول الثلاث إلى استعمار ما عداها من دول استعمارية فنشبت الحرب العالمية الثانية، التى اختتمت بإسقاط قنبلتى هيروشيما ونجازاكى، لينتقل العالم من حروب عالمية إلى أسلحة عالمية، تنذر بدخول العالم كله شتاء نوويا.
•••
ورغم أن العالم حرص على تدعيم السلام والأمن العالميين، وإعادة تعمير ما خربته الحرب العالمية الثانية التى أودت بحياة أكثر من 50 مليون نسمة، وإحداث تنمية تحد من دوافع الصراع، بإنشاء تنظيم سياسى اقتصادى عالمى عماده هيئة الأمم المتحدة (التى روعى فيها تفادى القصور الذى شاب عصبة الأمم التى أقيمت عقب الحرب الأولى)، ومعها منظمات قطاعية قائمة ومستجدة ومؤسسات اقتصادية ضمت صندوق النقد الدولى ليسيطر على الأنظمة النقدية وعماده الدولار الأمريكى، والبنك الدولى للإنشاء والتعمير ثم اتفاقية الجات كبديل بمؤسسة تجارة دولية، فإن البعد الإقليمى اكتسب اهتماما كبيرا، مع انقسام العالم إلى ثلاثة: العالم الأول يضم الدول الرأسمالية، وفى قلبه أوروبا الغربية التى أقامت سوقها المشتركة كمقدمة لوحدة سياسية، والدول الاشتراكية التى اهتمت بالتعاون لإعادة بناء اقتصاداتها وفق أسس جديدة، ثم العالم الثالث الذى سعت أقاليمه إلى إقامة تكتلات اقتصادية لم تحظ بنجاح كبير، خاصة مع محاولة العالم الأول ربطها بأحلاف تستعين بها فى حرب باردة مع العالم الثانى، فتصدت لها فى مؤتمر باندونج وشكلت مجموعة عدم انحياز للتخلص من القيود السياسية والاقتصادية والتركيز على التنمية بدفع الأمم المتحدة إلى وضع أسس نظام اقتصادى دولى جديد فى 1974، بينما تصدت مصر الناصرية إلى حلف بغداد واستردت قناتها فكانت حرب 1956، ثم أقامت منظمة التضامن الآفروآسيوى لتعزيز استقلال دوله السياسى، ودفعه للاقتداء بمنهجها القائم على التصنيع وهو ما هدد بإجهاض الاستعمار الجديد، فكانت حرب 1973 بإشراف أمريكى، ثم دفعها إلى انفتاح اقتصادى رغم انتصار أكتوبر 1976، لتعود مرة أخرى للارتباط بالاقتصاد العالمى تحت الهيمنة الأمريكية، القائمة على آليات فرض التبعية من خلال الشركات عالمية النشاط.
•••
ورغم أن الاتحاد السوفيتى حقق سبقا فى أوائل الستينات فى غزو الفضاء، فإن الولايات المتحدة عمدت إلى توجيه هذا الغزو، بجانب الاستخدامات العسكرية، إلى إشراك قطاعات الأعمال، لتكتمل أركان الثورة التكنولوجية، ويدخل العالم عصر ما بعد الصناعة التى ما زالت دول نامية توسع فيها، إلى مجتمع المعلومات والاتصالات. من جهة أخرى أدى إفراط الولايات المتحدة فى تعزيز الاستهلاك بشقيه الجماعى الذى تخصص الجانب الأكبر منه لحروب وانتشار عسكرى فى أرجاء العالم (وما قاعدتها فى قطر وأساطيلها فى المياه العربية إلا قطرة فى بحر) والعائلى الذى تغذى فيه اقتناء السلع المعمرة التى تتفنن فى تنويعها، إلى إضعاف الدولار وانهيار النظام النقدى العالمى (بريتون وودز) فى أوائل السبعينات مع رفع أسعار القمح ثم ارتفاع أسعار البترول، ليعانى العالم ظاهرة هى الأولى من نوعها تجمع بين التضخم والركود، ثم المناداة باستخدام السياسة النقدية كأداة لتوجيه الاقتصاد، وما تلا ذلك من ارتفاعات فلكية فى أسعار الفائدة، ليقع العالم الثالث فريسة لضغوط جعلت الثمانينات عقدا ضائعا للتنمية، أى أن الولايات المتحدة تخلصت من ضائقتها بإلقاء تبعتها على الدول النامية.
فى 1985 أثناء مؤتمر يناقش مستقبل الناصرية، أشرت إلى أن «العالم الثالث انتقل من الاستغلال إلى الاستغناء». فلم تعد الدول المتقدمة محتاجة إلى البشر الذين اتخذت منهم عبيدا، ثم استعبدتهم داخل دولهم، ولم يعد لها مع الثورة التكنولوجية حاجة إليهم. ففى عالم تسوده المعرفة لا النشاط البدنى والعقلى لا يجد من لم توفر له ظروف الإسهام المعرفى أى ضرورة. وأضفت إلى ذلك أن المستقبل سيشهد تقاربا بين العالمين الأول والثانى لأنهم شركاء فى الجذور الحضارية وفى الثورة التكنولوجية، وهو ما تحقق، ولم يصبح أمام الدول الرأسمالية سوى توجيه الثورة التكنولوجية للتخلص من أزمات نشبت أولاها فى 2008. وهى تجتذب الأفراد الواعدين بتعزيز تلك الثورة إليها، ليتركوا أوطانا يتطاحن فيها بشر بعضهم يعيش فى الماضى السحيق والآخر غريق فيما حوله. ومن ثم كان لابد من إعادة صياغة مفهوم التنمية الاجتماعية المتصفة بالكفاءة والعدالة، وإلا تلاشت الأوطان وأصبح أهلها فى خبر كان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.