هل هناك أحد ممن يقرأون الآن لا يقبع هذا المشهد فى ذاكرته؟! «بطوط» نائم أو «متمطرأ» على «ملاية» أو «شبكة» مربوطة بين شجرتين فى حديقة منزله الصغيرة بمدينة البط الجملية.. وبجانبه طبق من البسكويت.. وفى يده كوب من الليمون المثلج.. وعلى حافة الكوب توجد شريحة من ليمون مميزة للتأكيد على أنه فريش ودائما ما تكون تلك الأنتخة وهذا الهدوء بداية لمغامرة جديدة عاصفة يخوضها «بطوط» الحائز رسميا على لقب المواطن الأسوأ حظا فى مدينة «البط» هذا على الرغم من أن المدينة أساسا تحمل تقريبا اسمه «هارشين؟!».. بطوط عاطل عن العمل دوما.. ومفلس باستمرار ومديون لعم دهب منذ 75 عاما «هى كل عمره».. كسلان وسلبى ومتمرد.. وتصرفاته النزقة والمتهورة أكثر بكثير من تصرفاته العاقلة.. ولكنه على الرغم من كل هذا.. هو الشخصية الأشهر والأحب فى قلوب القراء على مستوى العالم وسط جميع شخصيات وأبطال محلة «ميكى» الجميلة! لا أتذكر على وجه التحديد.. اللحظة الأولى التى تعرفت فيها على «بطوط».. ولكنى أتذكر أنى اتولدت لقيته فى البيت « الحمد لله الذى خلقنى فى منزل به قصص مصورة وروايات وكتب ومجلات».. فى لحظات طفولتى الأولى.. «بطوط» كان هو رفيق الدرب الرئيسى «لاكى لوك أصبح هو بطلى فى فترة لاحقه فترة المراهقة وبدايات النزق والصياعة».. «بطوط» كان هو السبب الرئيسى فى عادتى الطفولية المتمثلة فى وقت الظهرية ينبغى علىّ أن أفرد جسمى أو «أتمطرأ» على أى كنبة أمام أى تليفزيون.. أقرقض بسكوتا يمتلئ به طبق بجانبى.. وأشرب عصير ليمون مثلج.. وطالما أزعجت «أمى» فى تلك الأيام كثيرا بسبب إصرارى على وضعها لشريحة ليمون على حافة الكوب.. «علشان تبقى زى بتاعة بطوط بالظبط»! فى مدينة «البط».. موطن «بطوط» عم «دهب» وباقى شخصيات مجلة ميكى الجميلة.. لا تختلف الأمور عنها كثيرا فى مدينتا نحن.. مدينة البشر.. فهناك رأس المال المسيطر «عم دهب» ورءوس الأموال المنافسة «عم فضة».. والمواطن المطحون على الرغم من أن المدينة تحمل اسمه «بطوط» والمخترع العبقرى الذى لا يعترف العالم كثيرا بعبقريته «عبقرينو».. وهناك الخير «ميكى وبندق» وهناك الشر «عصابة القناع الأسود ودنجل» وهناك قصص الحب «ميكى وميمى» و «بطوط وزيزى».. مدينة البط حياة كاملة تبدو للوهلة الأولى قصص أطفال.. ولكنها فى حقيقة الأمر قصص خيال.. ولجميع الأعمار.. تلك الشخصيات التى أعشقها ويعشقها كثيرون كانت هى السبب الحقيقى والمباشر فى زرع ما يسمى الخيال فى أدمغتنا.. خصوصا أثناء فترات تبويظ أدمغتنا ووأد بنات أفكارنا فيما يطلقون عليه جزافا.. التعليم! «بطوط» يعيش مع أولاد أخوه «سوسو» و«لولو» و«توتو».. ولكنكم لن تعرفوا على وجه الإطلاق من هو أبوهم «أخو بطوط» بالظبط.. تربطه علاقة غريبة ب«زيزى» ولكنكم لن تعرفون لماذا لم يتزوجا حتى الآن.. «تمتد قصة حبهما على مدار 75 عاما».. العلاقة بينه وبين عمه «عم دهب» ملتبسة تماما، فعلى الرغم من أنه عم «بطوط» لزم وبمثابة جد حقيقى ل«سوسو» و«لولو» و«توتو».. إلا أنكم لن تشعروا بذلك الرباط العائلى سوى عندما يحتاجهم «عم دهب» فى شىء ما.. البحث مثلا عن كنز من التفاح المشمشى الذى تحرسه قردة مسحورة على جزيرة نائية وغير موجودة بالخريطة ويحرسها قراصنة أشرار. علاقات «بطوط» جميعها علاقات ملتبسة.. كعلاقتنا بالظبط! «بطوط» الشخصية الكرتونية الضاحكة التى كلما نظرت إليها الآن.. يتملكنى الحزن.. والتى تتسبب مع أول كل شهر فى تلك النظرة المتعجبة والمدهشة والساخرة التى يرمقنى بها أصحاب فرش الجرايد كلما ألقيت فى وجوههم الجملة.. التى قد تكون مثل تلك مثلا.. «ميكى جيب و أخبار الأدب لو سمحت»! عالمنا الذى نعيش فيه ليس سوى «مدينة بط» كبيرة.. الجانب الحقيقى والفطرى والنزق من تركيبة شخصياتنا البشرية ما هو إلا «بطوط».. لهذا.. طبيعى جدا أن يكون «بطوط» هو الشخصية المرسومة الأشهر فى مثل ذلك العالم «الكارتونى» الذى نعيش فيه!