في مقال نشرته مدونة The Monkey Cage على صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، يشرح أستاذ العلوم السياسية أوكسانا شيفيل، لماذا يعد دور «تتار القرم»، الذين يشكلون أكثر من 10% من سكان شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، مهمًا بالنسبة لأوكرانياوروسيا في الأزمة المشتعلة حاليًا؟ يقول شيفيل، إن الأنظار تتجه حاليًا إلى شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، حيث احتل مسلحون مجهولون مباني الحكومة المحلية في العاصمة الإقليمية سيمفيروبول، رافعين الأعلام الروسية على الأسطح، كما استولى الجيش الروسي على مطارين، وقاعدة خفر السواحل الأوكرانية، بالإضافة إلى بعض الاتصالات السلكية واللاسلكية. وأعلن أوليكسندر تيرتشينوف، القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أن روسيا تحاول الاستيلاء على الأراضي الاوكرانية، وتنفيذ سيناريو إقليم أبخازيا في شبه جزيرة القرم. بينما قال أندريه ايلاريونوف، زميل المركز الأمريكي لدراسات الحرية والرفاهية التابع لمعهد «كاتو»، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد إثارة حرب أهلية على نطاق واسع في أوكرانيا، وينتظر فقط ليتعرف على رد الأوكرانيين على مناوراته الاستفزازية في شبه جزيرة القرم. في البرلمان الروسي، تم طرح قانون يسمح بضم الأراضي الأجنبية إلى روسيا، وقالت وزارة الخارجية الروسية، إن القنصلية الروسية في شبه جزيرة القرم ستبدأ في إصدار جوازات سفر لأعضاء شرطة مكافحة الشغب الأوكرانية المنحلة "BERKUT ". ربما تخطط روسيا للاستيلاء على القرم، ولكن هناك عوامل عديدة تجعل من الصعب الاعتقاد أن روسيا ستكون قادرة على السيطرة والاستيلاء على القرم بشكل فعال، كما فعلت مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وترانسنيستريا. حتى الآن لم يتخذ الجانب الأوكراني أي خطوات يمكن أن تعتبرها روسيا حركة استفزازية تستوجب ردًا عسكريًا بهدف لحماية جيشها أو مواطنيها، كما حدث في جورجيا عام 2008، حيث دعا قادة الحكومة الأوكرانية الجديدة للهدوء، وقالت المجموعة العسكرية Right Sector إنها لن ترسل رجالها إلى القرم. وفي لفتة تصالحية مع الناطقين بالروسية، رفض الرئيس المؤفت تيرتشينوف قانونا تبناه البرلمان الأوكراني منذ أيام يلغي بموجبه قانون 2012 الذي يرفع مكانة اللغة الروسية. ومع عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة الأحداث في القرم، وحث قادة غربيون على ضبط النفس، وتحذير روسيا من أن أي انتهاكات غير مقبولة للسيادة الأوكرانية وسلامة أراضيها، هناك أمل في إمكانية التوصل لحل دبلوماسي للأزمة. ولكن حتى إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، واحتفظ الجيش الروسي بأراضي القرم بنية السيطرة عليها بشكل دائم، سيكون من الصعب بدرجة أكبر أن تبسط روسيا سيطرتها على القرم مما كان عليه الحال في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وترانسنيستريا. أما السبب الرئيسي لهذا الأمر فهم «تتار القرم»، وهي مجموعة مسلمة تم ترحيلها بشكل جماعي من القرم في عهد ستالين عام 1944، وشنت لعقود كفاحًا سلميًا من أجل حق العودة، وبدأوا في العودة بأعداد كبير منذ 1989. ووفقًا لأحدث تعداد لأوكرانيا، في 2001 يبلغ عدد تتار القرم 243.433 مما يشكل 12.1% من شعب القرم البالغ حوالي 2 مليون نسمة. التتار يمثلون دائرة انتخابية موحدة وحاشدة كانت دائما موالية للأوكرانيين، ومعارضة للنزعة الانفصالية الموالية لروسيا في شبه الجزيرة. بالعودة إلى الاستفتاء على الاستقلال عام 1991، فإن الفارق الضئيل في التصويت لصالح استقلال الدولة الأوكرانية ربما كان بفضل تصويت من تتار القرم، ومنذ ذلك الحين، تعاون تتار القرم ومجلس «Mejlis» الذي يمثلهم، مع الأحزاب السياسية الموالية لأوكرانيا. وفي 26 فبراير الماضي، قبل يوم واحد من سيطرة المسلحين على برلمان القرم، نظم التتار مسيرة كبيرة بالقرب من البرلمان، كانت أكبر من مسيرة موالية لروسيا في نفس التوقيت. لم يكن هناك أية مجموعة محددة محلية مشابهة تعارض السيطرة الروسية في أي من المناطق الانفصالية. وعلى الرغم من أن هذه المجموعة كانت حليفًا قويًا للحكومة الأوكرانية ضد النزعة الانفصالية الموالية لروسيا في شبه الجزيرة، فإن السلطات المركزية الأوكرانية بالرغم من استفادتها من هذا الدعم، إلا أنها شعرت بالريبة أيضًا تجاه تتار القرم، الذين يعتبرون شبه الجزيرة موطنهم التاريخي، ودعوا لتدابير مثل تغيير الوضع من نظام الحكم الذاتي للقرم ليصبح استقلالا وطنيا إقليميا لتتار القرم. وحتى الآن لم يعتمد قانون يضغط قادة التتار لتطبيقه منذ سنوات عديدة يدعو لاعتبار تتار القرم شعوب أصلية في أوكرانيا. مهما كانت شكاوى التتارمن الدولة الأوكرانية، فعندما يواجهون اختيارا إما أن يكونوا تحت السيطرة الروسية أو الأوكرانية، فان قياداتهم تختار باستمرار وبشكل لا لبس فيه أوكرانيا. ومنذ الحقبة السوفيتية، فإن محاولات تقسيم حركة تتار القرم وإقناع بعضهم بدعم أجندة موالية للاتحاد السوفيتي، أو لروسيا في وقت لاحق، لم تؤت ثمارها. وقال الرئيس السابق لمجلس Mejlis مصطفى جميلوف في تسعينيات القرن الماضي، إنه في 1991 قدمت حكومة بوريس يلتسين الروسية عرضًا لتتار القرم لإعادة السيطرة الروسية على القرم مقابل إعطاء شبه الجزيرة الحكم الذاتي الوطني لتتار القرم. وقتها، رفض جميلوف العرض، إلا أنه قال في لقاء عبر الهاتف من القرم يوم الجمعة، إنه حصل على عرض مماثل من مسئول روسي رفيع المستوى الآن، مشيرًا إلى أن تتار القرم لن يرحبوا بمثل هذه العروض الآن، وأنهم لا يثقون في روسيا ويريدون البقاء مع أوكرانيا. وأصدر رئيس ال« Mejlis» بيانًا يرفض الاعتراف بالحكومة المحلية الجديدة التي صوت البرلمان المحلي لصالحها في ظل وجود مسلحين في المبني، وما يقال أنه دون اكتمال النصاب. ونقلت وسائل الإعلام بيان جميلوف الذي قال فيه إن تتار القرم ينظمون وحدات للدفاع عن النفس. وإذا فشلت الحلول الدبلوماسية، فإن الوحداث ستصبح تحت القيادة الأوكرانية، وستقاتل «المعتدي» إذا لزم الأمر. إن تتار القرم مشهورون بتاريخ طويل من المقاومة السلمية، وحصل جميلوف على ميدالية «نانسن» العالمية للاجئين لنضاله السلمي لعقود من أجل حقوق تتار القرم. حتى الآن، فان التتار مازالوا بعيدين عن الشوارع، ويمارس قادتهم كما يفعل قادة أوكرانيا في العاصمة كييف ضبط النفس بشكل جدير بالثناء، ولكن إذا لم تتراجع روسيا وحاولت الاستيلاء على القرم بالقوة، فمن المؤكد أنها ستواجه معارضة مستمرة وحاشدة من «تتار القرم».