قام المشير عبد الفتاح السيسى النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع والسيد نبيل فهمى وزير الخارجية بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، كرد لزيارة نظيريهما الروسيين لمصر فى نوفمبر 2013، فى إطار صيغة 2+2 لبحث التعاون بين مصر وروسيا. ومع ذلك فلقد اختلفت الزيارتان سواء من حيث الدلالات أو الملفات التى تم تناولها، أو الظروف المحيطة بكل منهما. ففى حين تصدر التعاون العسكرى زيارة السيد سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى والسيد سيرجى شويجو وزير الدفاع لمصر فى نوفمبر الماضى، جاءت زيارة المشير السيسى والوزير فهمى لتعطى دفعة قوية، ليس فقط لجوانب التعاون العسكرى والتقنى، وانما للقضايا السياسية والاستراتيجية سواء على المستوى الإقليمى او المستوى الدولى. ••• جاءت الزيارة الأولى بعد قرار الولاياتالمتحدةالامريكية بتجميد جزء كبير من المعونة العسكرية لمصر (وان كانت الاتصالات بين العسكريين المصريين والروسيين قد سبقت القرار الأمريكى). وربما لم يكن الدب الروسى فى هذا الوقت متأكدا من أهمية التعاون مع مصر فى ظل ظروف سياسية بالغة الصعوبة، خصوصا بعد تصريح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى اعقاب ثورة 30 يونيو بأن «مصر تجازف بالانزلاق فى حرب أهلية بعد عزل الدكتور محمد مرسى». وبالتالى فيمكن توصيف زيارة الوفد الروسى لمصر فى نوفمبر الماضى بالاستكشافية، أو باللغة الدارجة «جس نبض». فعلى الرغم من بعض الدلالات السياسية التى خلفتها زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين لمصر، بقى المكون الرئيسى للزيارة هو الاتفاق على صفقة أسلحة روسية تقدر بحوالى 2 مليار دولار تقوم السعودية والإمارات بتمويلها. فبدا التحرك الروسى نحو مصر كمحاولة لفتح أسواق جديدة للسلاح الروسى فى الشرق الأوسط، كما هو الحال فى مناطق أخرى مثل أمريكا اللاتينية. ومع ذلك فقد حققت هذه الزيارة أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية بتنويع مصادر السلاح للقوات المسلحة. ••• أما زيارة المشير السيسى والسيد نبيل فهمى لروسيا الأسبوع الماضى، فقد جاءت فى ظروف مغايرة عن سابقتها، سواء فى مصر أو روسيا. فلقد أتت الزيارة فى خضم تزايد وتيرة التوتر بين روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدةالأمريكية، والاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى (الناتو) فيما يتعلق بالتظاهرات الأوكرانية. فلقد عبر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف من خلال مؤتمر ميونخ للأمن، الذى جاء قبل زيارة الوفد المصرى لروسيا بأقل من أسبوعين، عن استيائه الشديد من قادة الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو لتدخلهم فى الشأن الداخلى الأوكرانى، ومحاولتهم التأثير على السياسة الاوكرانية مع عدم إدانتهم لأعمال العنف ضد قوات الشرطة وحرق وتدمير المبانى الحكومية. وقد عكست كلمة وزير الخارجية الروسى أمام مؤتمر ميونخ للأمن، والذى حضره وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان إلى جانب السكرتير العام لحلف الناتو، عن خيبة الأمل الروسية بسبب استمرار الولاياتالمتحدة بالتعاون مع حلف شمال الأطلنطى (الناتو) فى تطوير منظومة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستيةAnti-Ballistic Missiles Shield فى أوروبا الشرقية. ومن ناحية اخرى، فلقد عانت روسيا فى ديسمبر 2013 من تفجيرين إرهابيين متتاليين أوديا بحياة 33 مواطنا روسيا على الأقل فى مدينة فولجوجراد الروسية على أيدى مجموعة من الجهاديين الإرهابيين. هذه التطورات ربما ساعدت فى تغيير بوصلة السياسة الخارجية الروسية إلى مصر، وتأكيد دعم الدب الروسى لمصر فى حربها على الإرهاب، وضد التدخل فى شئونها الداخلية سواء عن طريق الاتحاد الاوروبى أو الولاياتالمتحدةالامريكية، خصوصا بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية وإقرار الدستور المصرى الجديد والذى يعد خطوة مهمة فى طريق الاستقرار السياسى مما يدعم من أوراق الضغط لصانع القرار والمفاوض المصرى. وقد ساعد هذا التقارب فى المواقف والخبرات المصرية الروسية على فتح الكثير من الملفات الشائكة إقليميا ودوليا، خصوصا بعد الاستقبال الحافل الذى تلقاه وزيرا الدفاع والخارجية المصريان فى العاصمة الروسية، واستقبال الرئيس الروسى لهما على الرغم من تواجده فى سوتشى لمتابعة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية. وقد أدرك صانع القرار المصرى محورية اللحظة الراهنة وتلاقى المصالح المصرية الروسية، مما شجع على فتح ملف سد النهضة ومياه النيل على الجانب الروسى، وهو الملف الأهم على الاطلاق، ربما فى إشارة إلى تدويل قضية سد النهضة والسعى وراء الدعم الروسى لحقوق مصر المائية دوليا، او ربما دفع الشريك الروسى لاستخدام نفوذه على إثيوبيا، خصوصا فى ظل التعاون الروسى الإثيوبى فى مجالات الزراعة والطاقة والأمن. ••• أما الملف الثانى، والذى يرتبط بشكل منطقة الشرق الأوسط ككل، فهو الشأن السورى. وقد أكد الجانبان المصرى والروسى فى إعلان مشترك على وحدة الاراضى السورية، ورفض التدخل العسكرى وضرورة التوصل إلى حلول سياسية للازمة السورية، مع رفض تحول سوريا إلى ملاذ آمن للإرهابيين الذين سيؤثرون على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بل والعالم ككل. وأما الملف الثالث، والذى يأتى فى قلب المباحثات الروسية المصرية، فهو التعاون العسكرى بين البلدين. والذى لا يشمل فقط إمداد مصر بأسلحة روسية متطورة مثل طائرات الميج 29 المقاتلة MiG-29 او ربما طائرات السوخوى 35 SU-35، إلى جانب انظمة دفاع جوى أرض جو بانتسر اس-1 Pantsir S1، بل يشمل أيضا الاتفاق على إقامة تدريبات مشتركة وتبادل الخبرات بين المؤسسات العسكرية للبلدين. وقد جاءت زيارة قائد القوات الجوية الروسى الجنرال فيكتور بونداريف لمصر الأيام الماضية للتأكيد على جدية الطرفين فى تعميق التعاون العسكرى بينهما، خصوصا فى مجال الدفاع الجوى. أما الملف الرابع فيتعلق بالتعاون الاقتصادى بين البلدين، حيث أكد الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، على ضرورة رفع الاستثمارات الروسية فى مصر لتصل إلى 5 مليارات دولار. وهو ما سيتم تناوله فى زيارة وفد مصرى اقتصادى لموسكو خلال شهر مارس القادم. ••• وفى النهاية، ربما وجب التأكيد على أن تبادل الزيارات بين الجانبين المصرى والروسى ليس هدفها، كما ذكر السيد نبيل فهمى وزير الخارجية، استبدال طرف دولى بآخر ويجب عدم تفسيره على انه انتقال من معسكر لآخر، وإنما يجب النظر إلى هذا التقارب المصرى الروسى باعتباره خطوة فى الطريق الصحيح نحو تنويع علاقات مصر مع دول العالم كافة تبعا للمصالح المصرية وأولويات السياسة الخارجية لمصر التى قد تتواءم مع طرف ما اليوم وقد تتنافر مع نفس الطرف غدا، او قد تتوافق فى ملف ما وتختلف فى قضية أخرى. لذلك وجب على صانعى القرار المصرى أن يدركوا ضرورة إيجاد أوراق ضغط متنوعة لدى أطراف دولية عدة تساعد على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية وحماية الأمن القومى المصرى. صحيح أن 2+2= الكثير فى موسكو إلا أنه ليس بالضرورة أن يعطى نتيجة سلبية فى دول أخرى، خصوصا أن مصر تستعد لانتخاب رئيس جديد أمامه العديد من التحديات والتى تستدعى بناء شراكات متعددة ومتوازنة وإن بدت متناقضة.