شاهدت الأسبوع الماضى برنامج السيد/ إبراهيم عيسى، والذى تكلم فيه عن السكة الحديد فى مصر. وقد أعجبت بالحلقة لأنها مفيدة وهدفها البناء وعلى تحسين أحوال أصول لدينا ولأنه تكلم فيما يفيد وليس بغرض جلد الذات. لذا أوجه له التحية. كما شاهدت عددا من البرامج الحوارية التليفزيونية فى اليومين السابقين. وقد هالنى حجم عدم الفهم وفى بعض الأحيان الجهل من جانب بعض الضيوف. إلا أن لى ملاحظة إضافية على الأداء الإعلامى للقنوات الفضائية. إن فتح البرامج الحوارية أمام متصلين غير معروفين يدلون بدلوهم فى أمور عامة أمر فى غاية الخطورة. بل لا يقل خطورة من الناحية السياسية عن فتح منابر المساجد لغير العلماء المتخصصين فى أمور الدين من ناحية أن كليهما يفتى فيما لا يعرف. فالناس تشاهد هذه البرامج ولا تفرق كثيرا بين كفاءة ونزاهة القناة وكفاءة ونزاهة مقدم البرنامج وكفاءة ونزاهة صاحب المداخلة. إن اثنين من أشهر علماء علم النفس الإدراكى (Cognitive Psychology) هما الثنائى الإسرائيلى كانمان وترفرسكى (Kahneman and Tversky) لهما رأى علمى يقول إننا نستطيع خلق رأى عام يتصور أن ما سمع هو آراء «كل الناس» بينما من الممكن أن يكون الرأى «لواحد من الناس». والفرق كبير. والباحثان من الآباء المؤسسين لكيفية استخدام العقل لعدد من طرق الاستدلال ((Heuristics للوصول إلى نتائج (و قرارات) تشكل الإدراك والآراء والانطباعات وكذلك كشف النواقص والتحيزات (flaws & biases) الموجودة فى هذه الطرق الاستدلالية. إن فتح أبواب البرامج الحوارية «عمال على بطال» لكل الناس يجب أن يتوقف فهو يخلق حالة ذهنية (state of mind) يمكن أن تُستغل فى بث روح من الإحباط، وهو أمر فى غاية الخطورة. وأنا هنا لا أتكلم بالقطع عن منع مداخلات من ناس معروفين يثق المشاهدون فى نزاهتهم الفكرية أيا كانت تواجهاتهم السياسية. إن صناعة الأمل هو أحد أهم الأدوات التى نملكها. ويجب إدراك أن توجيه الرأى العام نحو الإحباط قد يتم عن طريق البرامج الحوارية من جانب أُناس لا يرغبون فى خروجنا من المطب الاقتصادى الذى نعيشه. بدون خلق نمو اقتصادى وتوفير فرص عمل للعاطلين نكون فى الطريق الخطأ. وبدون زرع الأمل فى المصريين لغد أفضل لن يكون هناك استثمار ونمو اقتصادى. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن محاربة «صناعة الإحباط» جزء من الحل.