فى كثير من الأمور فى عالم السياسة، فإن النجاح لا يقاس بالقرار الصحيح أو الخاطئ، بل بالتوقيت والأهم بالمواءمة. يمكن أن تتخذ قرارا صحيحا لكنه يقود إلى نتائج كارثية ويمكن أن تتخذ قرارا خاطئا ولا تدفع له ثمنا كبيرا. حسنى مبارك استجاب لغالبية مطالب المتظاهرين، لكن ذلك كان بعد فوات الأوان وبعد أن تصاعدت المطالب لتصل إلى ضرورة رحيله، وجماعة الإخوان وافقت على مطالب كثيرة كانت تنادى بها المعارضة لكن بعد أن صار غالبية قادتها فى السجون. اليوم لدينا نموذجان من القرارات التى أساءت للحكومة بغض النظر عن كونهما قرارين صحيحين أم لا؟!. القرار الأول هو قانون التظاهر الذى أصدره رئيس الجمهورية الأسبوع الماضى، والقرار الثانى هو الحكم بسجن مجموعة من الفتيات المعروفات «بحركة 7 الصبح» لمدد تصل إلى 11 عاما لكل واحدة منها. فى قانون التظاهر لا يمكن لأى شخص أن يعارض تنظيم الدولة والحكومة لحق التظاهر، ولا يمكن أن تستمر عشوائية التظاهر إلى ما لا نهاية، وفى وقت ما كنا سنصل إلى ضرورة وجود تنظيم لهذا الحق. إذن أين المشكلة؟ هى تتمثل فى أن وزارة الداخلية أصرت على وجود مواد ظلت محل نزاع أهمها حق وزير الداخلية فى إلغاء المظاهرة واشتراط أن يكون الإخطار قبل ثلاثة أيام على الأقل. لنفترض أن مواد القانون «زى الفل» لكن هل حسبت الحكومة ووزارة الداخلية وأجهزتها رد الفعل الذى حدث، وهل فكرت فى إمكانية أن يؤدى القانون إلى إعطاء جرعة أوكسجين إلى جماعة الإخوان عبر ضم أنصار جدد إليها تضرروا من القانون؟. البعض يعتقد أن وزارة الداخلية كانت تستهدف بالأساس أنصار الإخوان بهذا القانون، لكن الذى حدث حتى الآن أن فريقا لا بأس به كان عضوا فاعلا فى معكسر 30 يونيه صار يتظاهر ضد حكومة 30 يونيه بسبب هذا القانون!!. ثم إن رد فعل الحكومة وتلعثمها وترددها بعد لحظات من اعتقال 24 من الناشطين الذين تظاهروا فى ميدان طلعت حرب مساء الثلاثاء الماضى أعطى إشارة لا لبس فيها للمعارضة بالتصعيد بعد تخبط الحكومة وضعفها. المثال الثانى المتعلق بأحكام القضاء ضد فتيات الاسكندرية. لا يمكننا بطبيعة الحال أن نناقش هذا الحكم احتراما للقضاء، لكن نتساءل: ما الذى أدى إليه هذا الحكم وما هى تأثيراته وتداعياته على ثورة 30 يونيه والحكومة والجيش وصورة مصر فى الخارج ولدى وسائل الإعلام والمنظمات الأهلية والحقوقية؟. بالطبع قد يقول البعض إن القضاء يصدر أحكامه بناء على الأوراق المقدمة إليه ولا يشغله أى مواءمات سياسية أو غيرها، ولذلك فإن رئيس الجمهورية سوف يسدى خدمة جليلة إلى صورة البلاد إذا قام بالعفو عن الفتيات أو تخفيف الحكم عنهن بأسرع وقت ممكن. مرة أخرى القضية ليس من هو المصيب ومن هو المخطئ، لكن القضية الجوهرية أننا يوما بعد يوم نكتشف أننا لا نملك العدد الكافى من السياسيين القادرين على امتلاك رؤية كاملة وواضحة لكامل المشهد العام فى مصر وبجانب ذلك يكون لديهم أدوات وآليات صحيحة لتنفيذ وتطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع. من الواضح أن التجريف السياسى الذى أحدثه نظام حسنى مبارك لم يؤثر فى جماعة الإخوان فقط.. هذا الفيروس ضرب غالبية المؤسسات والهيئات والوزارات.. والدليل ما نشهده من عقم فى الأفكار وانعدام فى الخيال.