تابعت كما تابع الكثيرون زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين الى مصر، وهى الزيارة التى لاقت اهتماما كبيرا على المستويين الرسمى والشعبى. وأفردت وسائل الإعلام المصرية المرئية والمكتوبة مساحات كبيرة للترحيب بالتقارب المصرى الروسى الجديد واعتبره البعض انتصارا كبيرا وفتحا مبينا. فلقد جاءت الزيارة الروسية رفيعة المستوى بعد قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية تجميد جزء من المعونة العسكرية لمصر الشهر الماضى وبالتالى اعتبرها البعض صفعة للإدارة الأمريكية التى تسعى لفرض شروطها على القوات المسلحة المصرية. فإذا كان حضور السيد سيرجيو شويجو وزير الدفاع الروسى متوقعا للحديث عن صفقة اسلحة مرتقبة، فإن مصاحبة السيد سيرجيو لافروف وزير الخارجية له جاءت لتؤكد أن روسيا تتطلع لعلاقات سياسية واستراتيجية مع مصر الى جانب التعاون العسكرى. وهو ما أكده الاتصال الهاتفى اللاحق مباشرة للزيارة الذى اجراه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع الرئيس عدلى منصور، والذى ناقش فيه الوضع فى سوريا. وعلى الرغم من ان التقارب المصرى الروسى خطوة موفقة على طريق تنويع سلاح الجيش المصرى والانفتاح على القوى الدولية المؤثرة، فإنه من المفيد أن نحلل هذا التقارب فى اطاره الأوسع والأشمل حتى نستطيع ان ندرك الصورة العريضة لعلاقات الدول والتى تتسم بالتعقيد بل والتناقض فى احيان كثيرة. ••• ومن ثم يجب النظر الى التعاون العسكرى المصرى الروسى المنتظر باعتباره جزءا صغيرا ضمن استراتيجية روسية اوسع لإيجاد اسواق جديدة للسلاح الروسى فى الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. فقبل اسابيع معدودة فقط من زيارته لمصر، قام وزير الدفاع الروسى برحلة لأمريكا اللاتينية لتسويق انظمة دفاع جوى ومروحيات ومدرعات عسكرية. وفى زيارته التى استمرت اربعة ايام وشملت البرازيل وبيرو قام سيرجى شويجو بمحاولة عقد صفقات عسكرية تشمل نظام دفاع جوى ارض جو بانتسير اس 1 وصواريخ ايغلا المضادة للطائرات، وطائرات السوخوى 35 المقاتلة ومدرعات كاماز. والجدير بالذكر ان هذه لم تكن باكورة محاولات الدب الروسى فتح اسواق جديدة امام الاسلحة الروسية، خاصة فى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ففى يوليو 2010 قامت شركة الاسلحة الروسية «روسوبورون اكسبورت» بتقديم عرض لوزارة الدفاع المصرية عن طائرات الميج المقاتلة. وفى فبراير 2012 قام رئيس الوزراء الروسى ديمترى ميدفيديف بزيارة البرازيل لعقد صفقات سلاح. ومن الملاحظ ان روسيا تبحث عن اسواق جديدة لسلاحها المتطور (خاصة الدفاع الجوى) فى الدول التى تشهد طفرة اقتصادية مثل الهندوالبرازيل، على خلاف مصر التى تعانى من أزمات اقتصادية. وهو الامر الذى يثير العديد من علامات الاستفهام حول تمويل صفقات السلاح الروسى لمصر ومدى ديمومتها، وما اذا كانت دول الخليج قادرة على دفع فاتورة السلاح الروسى لمصر لأمد طويل ولأهداف واضحة. ••• واذا كانت صفقة السلاح المصرية الروسية، والتى من المتوقع ان تشمل طائرات الميج 29 المقاتلة «MiG 29» وانظمة دفاع جوى ارض جو Pantsir S1، قد اظهرت التنافس بين الدول الكبرى المنتجة للسلاح على اسواق جديدة فإنها أيضا تنذر ببدء سباق تسليح فى مناطق مشتعلة كالشرق الأوسط والذى قد يؤثر على السلم والأمن الدوليين. وأصبح التنافس على صفقات السلاح يعكر العلاقات بين الدول الكبرى نفسها. ففى الاسبوع الماضى، قررت الولاياتالمتحدة عدم شراء مروحيات الهليكوبتر الروسية مى 17«Mi17» والتى تستخدمها فى افغانستان، وقام البنتاجون بحظر توقيع أى صفقات جديدة مع شركة روسوبورن اكسبورت الروسية للأسلحة، والتى بلغت مبيعاتها لعام 2013 حوالى 13 مليار دولار، متذرعا بوجود شبهات فساد فى هذه الصفقات واحتمالية وجود اعطال فنية فى المروحيات الروسية، ذلك الى جانب استمرار الشركات الروسية بيع السلاح لنظام بشار الاسد فى سوريا. أما الاطار الثانى الذى يجب أن يوضع فيه التقارب المصرى الروسى فهو ان التدخل الروسى فى منطقة الشرق الأوسط يأتى متزامنا مع تراجع تدريجى للولايات المتحدة من المنطقة والتمركز فى شرق آسيا والمحيط الهادى لردع القوة الصينية المتنامية، والتى بدورها تعمل على فتح اسواق سلاح جديدة خاصة فى افريقيا. وهذا ليس معناه ان الولاياتالمتحدة سوف تحزم حقائبها وترحل عن منطقة استراتيجية مهمة مثل الشرق الاوسط، وإنما يعنى ان النفوذ الامريكى ينحصر تدريجيا مخلفا فراغا استراتيجيا تسعى الدول الكبرى لأن تملؤه خاصة روسيا والصين وايضا بريطانيا (والتى تنشط الآن فى منطقة الخليج). وعليه فروسيا، وغيرها، لن تقترب فقط من الصديق المصرى القديم لإعادة القطبية الثنائية للمنطقة، وإنما ستعمل على التقارب مع الجميع. وقد بدا ذلك واضحا فى زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو الى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين فى 20 نوفمبر الماضى، لعرقلة صفقة وشيكة بخصوص البرنامج النووى الايرانى، ولكن ايضا لتدعيم التعاون الروسي الاسرائيلى فى مجالات صناعة الطائرات وابحاث الفضاء والطاقة وتكنولوجيا النانو وربما أيضا الاتفاق على صفقات سلاح جديدة. ولذلك فالحديث عن عودة الدب الروسى الى قلب العروبة يحتاج الى مزيد من التدقيق. ••• ومما هو جدير بالذكر ويجب أن يؤخذ فى الحسبان ان الانفاق العسكرى الامريكى فى عام 2012 بلغ 645 مليار دولار أمريكى فى حين ان الانفاق العسكرى الروسى لم يتجاوز ال60 مليار دولار، أى أن الانفاق الأمريكى على السلاح يوازى 10 اضعاف الانفاق الروسى، وذلك تبعا لإحصاءات المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (IISS) بلندن. فبدلا من الترحيب المبالغ فيه بالصديق الروسى القديم نكاية فى الولاياتالمتحدةالامريكية، على طريقة «إلى الامام يا روميل» عندما رحب المصريون بالجنرال النازى فى العلمين خلال الحرب العالمية الثانية نكاية فى البريطانيين، علينا أن نضع الامور فى سياقها الطبيعى وفى صورتها الأشمل. وعلينا ان نرى العالم كما هو، بتعقيداته وشبكات المصالح المتناقضة التى تحكمه، لا ان نراه كما نحبه ان يكون. ويجب ألا نكرر اخطاء الماضى والتفكير جيدا قبل أن نبدأ بالهتاف «إلى الامام يا بوتين». مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة متخصصة فى الدراسات الأمنية