ذات يوم قدم الشاب محمد مهدى عاكف أوراقه إلى كلية الهندسة والتحق بها بالفعل.. بعدها التقى المرشد المؤسس حسن البنا الذى لمح له أنه يريده فى معهد التربية الرياضية.. ولأن عاكف كان شديد الطاعة للبنا فإن التلميح كان كافيا ليسحب أوراقه من الهندسة، ويتوجه إلى المعهد فى اليوم التالى. محمد مهدى عاكف المرشد السابع لجماعة الإخوان المسلمين يكشف ل «الشروق» طبيعة علاقته بحسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول .كما يدافع عن النظام الخاص للجماعة ( الجناح العسكرى )، نافيا أن يكون له علاقة باغتيال البنا، كما برأه أيضا من عمليات العنف والقتل التى تمت فى تلك الأثناء، معتبرا أنها تصرفات شخصية جاءت نتيجة الظلم والقهر اللذىن شعر بهما منفذوا تلك العمليات. المرشد الحالى يطلب من الحكومة أن تبادر بفتح حوار معه باعتباره زعيما لأكبر قوة شرعية موجودة فى الشارع المصرى، وقال: «بادرت بطلب الحوار ألف مرة من قبل وتدخل الكثير من الوسطاء إلا أنهم لم يعودوا ...آن الأوان أن تبادر الحكومة هذه المرة». وانتقد عاكف من يحاول أن يصور أن هناك خلافا فكريا أو جيليا داخل الجماعة، مؤكدا أن مستقبل جماعته مشرق بسبب تماسكهم، وأن النصر سيكون حليفهم وحليف كل مقاوم. وإلى نص الحوار: كيف كانت علاقتك بمؤسس الجماعة؟، وكيف تأثرت به؟ الإمام البنا كان مشغولا دائما بقضايا الشباب والطلاب، فكنا دائمى الصدام مع الشيوعيين والوفديين، وأحيانا كان الأمر يصل إلى الاشتباك الحاد، واستمر الوضع هكذا إلى أن أرشدنا البنا إلى ضرورة أن يكون الاشتباك مع أهل الفكر بالفكر، وليس بأى طريقة أخرى. وعلى ذلك؛ أنشانا ما يسمى «جماعة الشباب المسلم»، وقرأنا كتب الشيوعيين والليبراليين ودرسناها، فتحول الصراع إلى نقاش وحوار فكرى، وأجزم أن البنا غيّر مسار حياتى. كيف؟ كنت من أصغر الأعضاء سنا فى النظام الخاص، وكنا بنشتغل تحت الأرض ولا يعلم أحد ما نقوم به، وبعدما كنت أقابل البنا بشكل يومى مرت سنة ونصف السنة دون أن أراه، فسألت المسئول عنى: هو احنا نتبعك ولّا نتبع الأستاذ؟ ففوجئت أن البنا أرسل فى طلبى وقال لى: «ياعاكف انت تبعى»، وتحدث معنا فى شئون الجماعة. ووسط الكلام قال لى: ياعاكف احنا مالناش حد فى معهد التربية الرياضية، ساعتها كنت طالبا فى كلية الهندسة فتوجهت فى اليوم التالى مباشرة إلى المعهد وتقدمت بأوراقى واجتزت الاختبارات أنا وزميلى صلاح حسن الذى استشهد فى معركة الكرامة فى الأردن بعد ذلك، وحققنا رغبة البنا فى التواجد داخل المعهد. هل فكرت فى تلك الأثناء أنك ستجلس يوما ما على مقعد البنا؟ أبدا لم أكن أحلم يوما بالجلوس على مقعد الإمام، وحتى فى انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة دخل الإخوة لفرز أوراق التصويت، ولم يكن على بالى أن أصبح أنا المرشد. لقد عشت حياتى جنديا ولم أكن أتصور يوما من الأيام أن أكون مرشدا. بصفتك أحد أعضاء النظام الخاص للجماعة هناك اتهامات بأن النظام هو من تسبب ولو بشكل غير مباشر فى اغتيال مؤسس الجماعة كرد فعل على عمليات العنف والقتل التى قام بها أعضاؤه ضد بعض كبار رجال الدولة؟ النظام الخاص لم يقتل أحدا؛ فالنفس البشرية هى أكثر قداسة عندنا من الكعبة. إذًا؛ بماذا تفسر قتل أعضاء النظام للنقراشى والخازندار، وغيرهما؟ لقد تمت تلك العمليات بشكل فردى، ولم تكن من سياستنا أو منهجنا مهما تصاعد الظلم ضدنا. وأحب أن أشير إلى أن الشعب المصرى فى هذا الوقت كان حيا، ورجاله لا يقبلون الظلم أو الضيم، وأعضاء النظام الخاص وغيرهم شعروا بظلم لا يحتمله أحد، وبالتالى كان رد فعل بعض أعضاء الجماعات والتيارات السياسية على قدر هذا الظلم؛ فتم قتل النقراشى والخازندار وبطرس غالى وأحمد ماهر، ومن نفذ ذلك لم يكونوا كلهم إخوانا. النظام الخاص لم يقتل بالطبع الإمام، وهناك من يقف وراء ترويج تلك الرواية من أجل نشر التضليل والأكاذيب، فهناك مكاتب مخصصة تتقاضى الملايين حتى تسىء لسمعة الإخوان مدفوعة من الفاسدين والمستبدين. والقضية حسمت، وصدر فيها أحكام، وثبت أن وكيل الداخلية هو من قام بالتخطيط والتدبير لعملية اغتيال البنا، وكل من شارك فى تلك العملية استمر فى السجن حتى أصيب بالعمى. أرى أنك تدافع عن النظام الخاص بشكل مبالغ فيه.. ألا ترى أنه السبب فى توجيه النقد واللوم للجماعة على مدى العقود الستة الماضية؟ النظام الخاص للجماعة نشأ فى ظروف خاصة جدا، فمصر كانت تحت الاحتلال الإنجليزى. إضافة إلى الأمية العسكرية لدى الشعب المصرى فى ذلك الوقت، حيث كان كل فرد يمكنه دفع عشرين جنيها يستطيع التخلص من الخدمة العسكرية. ودور الجهاز الخاص انحسر فى إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي؛ وذلك لمصلحة مصر وليس ضد الداخل إلا أن النظام الخاص تم كشفه بشكل كبير فى المحاكمات التى قدمت لها الجماعة فى عام 1949، فى الوقت الذى لم يكن فيه كل قيادات الجماعة تعلم بأمر هذا التنظيم الخاص، ما تسبب فى أزمة بعد كشفه فيما أطلق عليه ثنائية القيادة، لذلك؛ قرر الهضيبى إعادة تشكيله وجعل قيادته مركزية تتبع مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات المختلفة، وهذا ما أيدته أغلبية القيادات، وبعدها بعام ألغاه المستشار حسن الهضيبى بشكل كامل على أساس أنه كان نظاما سريا، ولا يعرفه إلا القليل، ومهمته انتهت لأنه تم إنشاء جهاز علنى يدعى الجهاز الوطنى لتدريب الناس على الأعمال العسكرية للدفاع عن البلاد. بعد ستين عامًا على رحيل مؤسس الجماعة هناك اتهامات بأن الإخوان بدأوا فى مخالفة المنهج الذى أسسه البنا.. فما تعليقكم؟ الإخوان لم يغيروا أى منهج من مناهج البنا تربوية أو دعوية أو سياسية، وأنا عاشرت الرجل، وعرفت كيف كان يربى الأجيال الجديدة؛ لقد جعل منا مبرزين فى السياسة. لكنه اختار أن يجنب الجماعة الصدام مع الدولة، وابتعد عن الدخول فى صدام سياسى مع الدولة آنذاك؟ نحن لم نصطدم مع النظام، هو من يصر على الاصطدام بنا. ودعنى أتساءل: هل مشاركتنا فى الانتخابات والتعبير عن آرائنا بالوسائل السلمية مخالف للقانون أو العرف حتى يقوم النظام باعتقالنا؟، ثم إن النظام يصر على استخدام العنف ردا على ممارستنا القانونية، مع ذلك نحن نتعامل مع تلك العقلية الفاسدة الفاشلة المتخلفة بالصبر والحكمة حفاظا على الوطن. ولكن عندما شعر البنا بأن دخوله الانتخابات سيصعد الأزمة مع الدولة اتفق مع النحاس على الانسحاب من الانتخابات التشريعية، وبعد تلك الواقعة تحولت الجماعة إلى أكبر هيئة شعبية فى مصر والوطن العربى؟ كان هذا تكتيكا سياسيا. ولماذا لا تقومون بتكتيك مماثل الآن؟ الأوضاع الآن مختلفة.. «ياريت ألاقى رجل مثل النحاس وأنا أتعامل معه. كان رجلا صاحب عقل ومنطق. أرسل إلى البنا وجلس معه وتناقشا ثم وصلا لنتيجة.. هل النظام طلب التفاهم معى؟ ولماذا لم تحاول أن تبادر أنت بهذه الخطوة؟ بادرت ألف مرة واسألوا كمال أبوالمجد كانت هناك عشرات المحاولات منى عبر وسطاء لكن ماحدش رد. لماذا لا تسعون لتأسيس حزب سياسى حتى يضفى عليكم الشرعية لاسيما أنتم جماعة حظرها القانون؟ أنا شرعى، والشارع هو من أعطانى تلك الشرعية، وليس حسنى مبارك وأنا معتز بها، والمفروض على الحكومة عندما ترى أن هناك جماعة لها هذا القدر والمكانة التى اكتسبتها من خلال الجماهير يجب عليها أن تبادر بالحوار معها لكنها للأسف لا تفعل ذلك، لقد تحكم فيها الاستبداد والفساد. فما المانع من أن تجلس الحكومة مع رؤساء الجماعات والأحزاب السياسية لتتشاور معهم؟ حدث هذا بالفعل، وكان هناك حوار مع الأحزاب الشرعية مثل الوفد والتجمع الناصرى هذا الحوار كانت له أغراض أخرى وبعدين الوطنى خد غرضه وخلى بيهم. اليوم يجب على النظام أن يستعين بأهل الفكر والرأى، يجب على الحاكم أن ينزل على إرادة الشعب لأن الشعوب هى من تضفى الشرعية على الحكومات، لكن للأسف نظامنا لا يقيم وزنا لهذا الشعب. كان من الواجب على النظام بوصفنا أكبر تيار فى الشارع «أنه ييجى ويقعد معنا ويقلنا والله يا اخوان يا مسلمين القضية دى فيها كذا والمشكلة دى فيها كذا ودى نقدر عليها ودى مانقدرش ..وكيف نتعامل فى دى». هل تريدون أن يأتى النظام إليكم ويتحاور معكم، ويدعوكم للمصالحة؟ أنا بادرت من قبل، وطلبت المصالحة والحوار، وجلس معنا الكثير من الوسطاء سمعوا منا ولم يعودوا بأى رد. المفروض أن يبادر هو هذه المرة. من هم الوسطاء الذين سمعوا منكم ولم يعودوا؟ لا نريد أن نتسبب فى حرج لأحد، لكن منهم رموزا كبيرة داخل النظام، وهناك آخرون من خارجه. هناك اتهامات بأن الجماعة بدت فى عهدكم، وكأنها تيارت متناحرة، وأن الفجوة الفكرية اتسعت بين أجيال الإخوان على عكس ما كان فى فترات سابقة؟ الجماعة لم تتغير، فهى منفتحة على الجميع منذ نشأتها، وكان الإخوان هم التجمع الأكبر فى الشارع المصرى أيام البنا؛ ومازلوا. ومن الطبيعى أن يكون فى الكيانات الكبرى حيوية وحراك، وهذا لا يمثل نقيصة، فمؤسس الجماعة كان يطلب منا كشباب الانفتاح على الآخر؛ وهذا ما يحدث الآن. على ذكر الشباب؛ أشرت فى بداية الحوار إلى أنه بمجرد ما ألمح البنا إلى أنه يريدك فى التربية الرياضية نفّذت.. هل تملك كمرشد نفس الولاية على الجيل الأخير من الجماعة الآن؟ طبعا؛ بمجرد ما أشير الجميع يلبى. ودعنى أضرب لك مثلا الجمعة الماضى خرج عشرات الآلاف من الإخوان إلى الشارع بمجرد ما حذرت فى «النداء» من تهديدات الصهيونية الجديدة بضرب غزة، ورغم هذه الطاعة فأنا أحاول بشكل دائم أن أسيطر على الشباب وألجمهم، فما يحدث فى مصر فوق كل احتمال، ولو تركت هؤلاء لغضبهم ( أشار عاكف إشارة تعنى أن زمام الأمور سيفلت من الجميع). وكيف تبرر الانتقادات التى توجه لكم من مدونى الإخوان، وغيرهم من الجيل الجديد؟ هذا الكلام مغلوط، وأنا أرسلت لهؤلاء المدونين، وجلست معهم وتحاورنا، واكتشفت أن خلافهم معنا لا يتعدى كونه فرقعة إعلامية. كيف ترون مستقبل الجماعة فى ظل ما وصفتوه بانسداد الأفق السياسى، والتضييق والاعتقالات والمحاكمات؟ مستقبل الإخوان مشرق، فنحن أصحاب منهج حضارى مكتوب وواضح، ونحن مع كل هذا البلاء لا نتوارى، وستظل الجماعة فى ازدياد إن شاء الله. كم عدد الإخوان الآن؟ لا أعرف.. اسأل الأمن هو من يعرف العدد، أنا حتى لا أعرف أسماء ال 90 أعضاء مجلس شورى الإخوان. الجماعة «كبرت قوى» ليس فى مصر فقط، بل فى كثير من الدول، وكلهم يهاتفوننى يوميا لطلب المشورة، والنظام يعلم ذلك، ومع ذلك يرفض التحاور أو النقاش معى «دول حتى رافضين اطلع عمرة». أخيرا.. بعد 80 عاما من تأسيس الجماعة، ما مدى إمكان وصول الإخوان للحكم حتى يتمكنوا من تطبيق منهجهم؟ هذا الأمر لا يعنينا الآن، ما يشغلنا هو زيادة الوعى لدى الشعب بعد ذلك يقرر ما يريد، وإن جاء بالإخوان ساعتها سأقبل. وهل ترى أن الشعب سيتمكن فى ظل الكثير من المتغيرات التى حدثت خلال الأعوام الماضية من أن يصعد الإخوان أو غيرهم؟ لكل ليل نهار، والفاسدون والمهزومون والمستسلمون انكشفوا؛ كشفهم العدوان الأخير على غزة، وتمكن المقاومون من أن يقفوا أمام طغيان العالم، وانتصروا..وسننتصر بإذن الله.