تشهد سوريا منذ عامين ونصف العام حربا أهلية شرسة، ينتهك خلالها نظام بشار الأسد المتوحش بصورة منهجية قواعد الحرب من خلال القصف العشوائى للسكان، وأخيرا من خلال استخدام السلاح الكيميائى. فى الأيام الأخيرة يحتج زعماء إسرائيل ولا سيما الناطقين باسم اليمين، على المجزرة التى تحدث ما وراء الحدود منتقدين العالم الذى لم يحرك ساكنا من أجل وقف أعمال القتل وطرد الأسد المجرم من منصبه. ما تجدر الإشارة إليه، أنه حتى الفترة الأخيرة أيد بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية الأسد بالتزام صمت، بوصفه الدرع الأكيدة فى وجه الإسلام المتشدد في سوريا. لكن الأجواء تبدلت اليوم، وتحول الأسد إلى هتلر جديد أمام «عالم صامت» تماما مثلما صمت العالم أمام أفران الغاز المشتعلة فى أوشفيتس. فما العمل؟ إن الحل سهل وواضح، إذ لدى زعماء إسرائيل جيش قوى وسلاح طيران متطور، وإذا شاءوا يستطيعون بسهولة استخدامهما لضرب الأهداف الاستراتيجية في سوريا ولا سيما بعد الأعوام الطويلة من المراقبة الاستخباراتية الدقيقة ومن التخطيط العملانى الصارم. واستنادا إلى مصادر أجنبية، فقد هاجم سلاح الجو الإسرائيلى خلال السنة الأخيرة عدة أهداف فى سوريا بدقة متناهية ومن دون خسائر أو إصابات فى الطائرات أو فى الطواقم الجوية. وبناء على ذلك، في استطاعة السياسيين إصدار الأوامر للطيارين للقيام بالمهمة ويعرف هؤلاء جيدا الطريق إلى النقاط المحددة هدفا لهم. لكن على الرغم من ذلك، وحتى بعد تجاوز «الخط الأحمر» واستخدام السلاح الكيميائى لقتل المدنيين فى سوريا، فإن السرب 109 لا يزال يواصل حياته اليومية الروتينية. ولم يطلب أحد من طياريه وضع حد لجنون الأسد القاتل والقضاء مرة واحدة وإلى الأبد عليه وعلى قيادته وعلى سلاح جوه وفرقة المدرعة ومصانع السلاح ومواقع الصواريخ ومخازن السلاح الكيميائى. إذا كانت الدعوة إلى التدخل فى سوريا تنبع من اعتبارات أخلاقية مثلما يدعى المؤيدون لها، فإنه يتعين على إسرائيل التى نشأت من رحم الكارثة النازية، تقديم نموذج للعالم وإرسال السرب 109 لتوجيه ضربة قاضية إلى الحرس الرئاسى والحرس الجمهورى وسائر فرق «إس إس» التابعة لنظام «هتلر السورى»، كما يمكن فى الوقت عينه ضرب الوحدات البرية التابعة لحزب الله التى تقاتل إلى جانب الأسد. وعلى الرغم من الخطورة الكبيرة التى ينطوي عليها ذلك، فمن الأكيد أن الولاياتالمتحدة ستقدم دعمها الكامل لمثل هذه العملية وستقوم بملء مخازن ذخيرة الجيش الإسرائيلى من جديد. إن القضاء على السلاح الاستراتيجى وعلى القيادة السورية بدعم دولى، سيزيل الخطر السورى عن إسرائيل لأعوام طويلة وسيحرم إيران أهم حليف لها قبيل الهجوم الإسرائيلى على المنشآت النووية الإيرانية. لكن المواعظ الأخلاقية تتوقف عند هذا الحد. «ليس من مصلحة إسرائيل أن تتدخل فى سوريا، لذا يجب على الأمريكيين أن يفعلوا ذلك وليس نحن»، هذا ما تقوله أوساط مكتب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو ما يقال داخل صفوف اليمين فى الكنيست وفى وسائل الإعلام المقربة منهم. وعندما لا يتحرك الأمريكيون يصفون الرئيس أوباما بالخرقة البالية وبالجبان العاجز حتى عن مهاجمة نظام الأسد المتداعى. ويتساءلون فى إسرائيل كيف سيكون بإمكان هذا الضعيف مواجهة الإيرانيين. لقد جرى تجاوز الخط الأحمر الذى وضعه أوباما بنفسه، والآن ماذا سيجري؟ على الذين ينتقدون الرئيس أوباما فى إسرائيل العودة إلى أنفسهم وأن يتساءلوا لماذا لم يفعل نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس الأركان بيني غانتس وقائد سلاح الجو أمير أشل شيئا؟ وإذا كان لا يجوز الصمت حيال ما يحدث فى سوريا، لماذا الحياة فى السرب 109 هادئة؟ وإذا كانوا لا يريدون استخدام سلاح الجو فقد كان فى إمكانهم فتح الحدود فى الجولان أمام اللاجئين من سوريا، وليس فقط معالجة بعض الجرحى الذين حالتهم صعبة. لقد كان فى الإمكان القيام بحملة دولية لتزويد المعارضين للأسد بالأقنعة الواقية والأدوية. كما كان فى الإمكان نشر المعلومات التى جمعتها الاستخبارات الإسرائيلية عن جرائم الحرب فى سوريا والكشف عن الوجه الحقيقى لجزار دمشق من أجل تشجيع عملية دولية ضده. لكن شيئا من هذا كله لم يحدث. إن امتناع إسرائيل عن القيام بعملية عسكرية مفهوم وصحيح. فهناك أسباب كثيرة تدفع إسرائيل إلى عدم استخدام طائراتها والتركيز على الدفاع عن حدودها بدلا من التدخل فى حروب الآخرين. لكن الذى يتجاهل الأخلاق دفاعا عن المصالح، عليه أن يعترف بأن للأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان مصالحهم أيضا، وأنهم هم أيضا لا يرغبون فى التحرك إلا عندما تكون حظوظ نجاحهم كبيرة.
محلل سياسى «هاآرتس» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية