فى الثامنة صباحا، يخرج محمد من أحد محال السوبر ماركت، يستقل الميكروباص ويقطع شارع الهرم، ليصل إلى منزله. وفى الحادية عشرة ليلا يقطع المشوار نفسه بالعكس. وطوال ثلاثة أشهر يقضى محمد عن طيب خاطر ليلته فى السوبر ماركت، ونهاره فى الاستعداد لليل، ففى اليوم الأخير من الشهر الثالث سيقبض حصيلة مجهوده، وربما أيضا مكافأة من مدير السوبر ماركت نظير اجتهاده وحسن أخلاقه. بعد ثلاثة أشهر ربما يعكس محمد جدوله تماما، فيعود لمنزله فى الثامنة مساء ويغادره فى الحادية عشرة صباحا إلى الجامعة! محمد وغيره من طلاب الجامعة يستثمرون أشهر الصيف فى عمل مؤقت، يشغل إجازتهم بمسئولية يكتسبون منها خبرة أو يجمعون من خلالها ما يمولون به دراستهم، وربما كانت هذه الوظيفة الموسمية المؤقتة طريقا لعمل مستقر بعد التخرج. السوبر ماركت بعد انتشار محال البقالة الكبرى «هايبر ماركت» فى مصر، ازدادت الحاجة إلى العمالة بها، خاصة فى أوقات الذروة مثل الصيف. ومنذ ظهورها عام 2002 لاقت هذه المحال قبولا لدى المستهلك مما دفعها لإفتتاح كثير من الفروع و توظيف الآلاف. ففى الفرع الواحد يعمل حوالى 500 شخص، بينهم من يعملون لأشهر محددة نظير مكافأة مجمّعة أو شهرية. إن لم تجدهم على طاولة الكاشير فهم حول الأرفف يرصّون البضاعة أو يعيدون ما تراجع الزبائن عن شرائه إلى أماكنه. لم يخجل الطالب الجامعى محمد سعيد من أن يخبرنى بأنه التحق منذ عام بالجامعة، مع ذلك فضّل الابتعاد عن مهنة الكاشير «لأنها مسئولية» .«إذا سقطت منى علبة أو كيس سأستطيع دفع ثمنه، إنما إذا أخطأت فى الحساب فلا أدرى كم سيكون ثمن هذا الخطأ!». جرّب سعيد العمل فى نفس المحل العام الماضى، وكرر الشىء نفسه هذا العام، «وجدت نفسى قد ادخرت مبلغا جيدا، وتمكنت من شراء ملابس جديدة وتغيير هاتفى المحمول، وتبقت بعض النقود لشراء (ملازم) الكلية». محمد الكاشير فى أحد هذه المحال، يمارس مهنته الصيفية هذه منذ عامين، يستعان به قبل شهر رمضان للمساعدة باعتباره موسما للشراء، ويقبل الطالب الشاب ذلك ما لم يتعارض مع محاضراته. وفى كل مرة يحصل محمد على مكافأة مجزية، ويكون قد أضاف «خبرة سابقة» فى سيرته الذاتية. السنترال صاحب «ثورة الاتصالات» افتتاح عدد كبير من محال السنترال وأكشاك بيع خطوط وهواتف المحمول، وغالبية العاملين فى توصيل مكالمات الزبائن وبيع «كروت الشحن» عمالة موسمية من الشباب. فمن الطبيعى أن يكون 17 مليون مصرى يستخدمون الموبايل، بحاجة لمن يقوم بشحن رصيدهم «ع الهوا» وإدخال النغمات إلى هواتفهم، وتسعيرها إذا قرروا شراءها أو إدخال مزيد من الخواص والبرامج إليها فى حال فضلوا الاحتفاظ بها. «أنا فى هذا الكشك أعمل كل شىء!... كأننى الشركة ذاتها، بقسم المبيعات وخدمة العملاء والتسويق» يقول مدحت ذلك معبرا عن رضاه بالعمل فى كشك بإحدى محطات المترو، للترويج إلى شركة خطوط موبايل، ويضيف ضاحكا: «وأنا أيضا المدير»، ويقصد مدحت بذلك أن مهنته الموسمية تفتح له مجالا واسعا لاكتساب مهارات ضرورية فى سوق العمل، مثل البيع والتفاوض، والتعامل مع الجمهور تحت ضغط. لكن حتى إن لم يكن الشخص يتمتع بهذه القدرة، يمكنه الالتحاق بدورة تدريبية قصيرة، يتعلم خلالها صيانة الموبايل والتعامل معه من الألف إلى الياء، وهو ما لا يأخذ منه سوى أسبوعين. وهناك حاليا عدد كبير من مراكز التدريب يقدم هذه الدورات وبتكلفة معقولة، وبعضهم ذهب إلى زعم اعتراف وزارة الخارجية بالشهادة التى يمنحها للدارس فى نهاية الدورة!، فى مداعبة لطموح الراغبين فى العمل بهذا المجال خارج مصر. الدى جيه وصل «الدى جيه» مصر عام 1999 كفقرة تظهر فى بعض الفنادق خلال الأفراح، وفى مدن الملاهى، ومع بدايات عام 2001 انتشر هذا الجهاز بكثافة، وبات مطلوبا فى الأفراح الشعبية. وفى أيام «الشيفت» النهارى لأمير (مدير السايبر)، يذهب مع أخيه الكبير أشرف لمساندته فى عمله الصيفى كمسئول عن تشغيل جهاز دى جيه لصالح أحد أقاربه، وهى المهمة التى ينجح فيها أشرف دائما. لسببين يوضحهما:«أولا أنا مخلص لعملى، وألتزم بمتابعة كل أنواع المزيكا، والخبرة علمتنى ماذا يريد كل نوع من الناس سماعه. والسبب الثانى هو أن الصيف موسم انتعاش، حيث تكثر حفلات الزفاف والخطوبة، ويقبل كثيرون على إقامة أعياد الميلاد... وهكذا». فى المتوسط، يدر الدى جيه دخلا قدره 70 ألف جنيه يخصم منها تكاليف إصلاح وصيانة الأجهزة وأجر المساعدين. وتسمح نقابة الموسيقيين بعضوية منتسبة للعاملين فى مجال الدى جيه، غير أن غالبيتهم لا يقدم على ذلك لكونه مضطرا فى حال الالتحاق بسداد مستحقات مالية للنقابة. لا يملك أشرف مكتبا خاصا، إنما رقم هاتف محمول يطبعه فى «كروت شخصية» يحرص على إعطائها لعملائه، لينقلوها بدورهم إلى آخرين. ولا يشعر أشرف بالحرج أمام زملائه فى الدراسة إذا شاهدوه أثناء عمله، على العكس، فهو يعلن عن مهنته لديهم، فلا يتردد فى توزيع كروت الدى جيه على أصدقائه، «طبعا أعطيهم من هذه الكروت، لضمان مزيد من الانتشار» وينوى أشرف الاستمرار فى عمله خلال الدراسة، مخططا:« سأهتم أكثر بإحياء الرحلات، فلا أكون قد ابتعدت كثيرا عن الجامعة، فى نفس الوقت سيعرفنى جمهور آخر غير جمهور الأفراح الشعبية»، لكنه مع ذلك غير متأكد من استمراره بهذا العمل بعد التخرج. تلوين الوجوه نبأ الاستعداد لاستقبال مولود فى حد ذاته يفتح عددا لا نهائيا من فرص الكسب، واجتماع أكثر من طفل فى مكان واحد ربما يضاعف هذه الفرص. وفى رحلات الأطفال أو حفلاتهم تجد إلى جوار الحلوى واللعب شخصا يلّون وجوههم، ويصنع بضربات متتالية من الفرشاة قناعا من الألوان يفرح به الطفل، ويسترزق منه هو. اختارت دينا قضاء الصيف مع الفرشاة ووجوه الأطفال بأحد مطاعم الوجبات السريعة، التى تستضيف أعياد الميلاد، وتقول إنها تعلمت المهنة من أحد أقاربها الذى كان يرسم وجوه أطفال العائلة فى الأعياد، فقررت هى أن تفعل ذلك بالأجر. ورغم رضاها عن المقابل الذى يأتى به تلوين الوجوه، لا تبدو دينا مستمتعة بمهنتها «ما يضايقنى هو اضطرارى للعودة إلى المنزل فى موعد متأخر نسبيا، حيث تنتهى أعياد الميلاد فى العاشرة وأتحرك حوالى العاشرة والنصف مساء». والحقيقة أنها تستطيع تغيير مكان عملها إن أرادت فالحاجة إلى رسام الوجوه تظهر فى الملاهى والحدائق وحفلات المدارس وحتى الحفلات التى تقام فى المنازل. ويمكن للعامل فى هذه المهنة بالاتفاق مع أحد منظمى الحفلات، فيكون جزءا من برنامج حفلات الأطفال، ويأخذ أجرا محددا فى كل «أوردر» أو حفلة يحضرها.