أعتقد أن اللحظات التى غبنا فيها عن التفكير فى المستقبل، قد طالت بعض الشىء مع كامل تفهمنا لصعوبة تلك اللحظات وتشابكها وتعقيداتها الخطرة، بل إن الفكاك من هذه اللحظات لن يبدأ إلا بالحديث عن المستقبل، خاصة أن ملفات المستقبل تبدأ من الدستور، ولا تنتهى عنده، وإذا كان الدستور هو حجر الزاوية فى التمهيد لمستقبل قانونى منضبط نحن فى أمس الحاجة إليه. فإن لدينا العديد من الملفات المهمة التى تستوجب نقاشا عاما للبدء فى التعامل معها، فنحن بعد عامين ونصف العام من ثورة يناير، اكتشفنا أننا مازلنا عند خط البداية ولم ننطلق نحو الاتجاه الصحيح حتى الآن، على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية، وأيضا اصطدمنا بخطابات دينية شاركت فى العراك السياسى، ولا اكون مبالغا لو قلت، اننا اصبحنا نحتاج إلى مراجعات شاملة تصل حتى إلى الذوق العام، الذى بدا فى الشهور الأخيرة حادا ومنحرفا عما كنا اعتدنا عليه من قبل. المستقبل، للأسف الشديد، خلال الفترة الماضية، أفلت من بين أيدينا، بسبب صراعات سياسية واستقطابات، لم نكن نتوقع ان تحظى بدور البطولة فى حياتنا، وهى استقطابات نجحت فى القضاء على التفكير فى المستقبل، ومحته تماما من أجندة أى تيار سياسى، كما أن النخب المختلفة استسلمت لهذه الاستقطابات، وجعلتها معركتها الوحيدة. كما ان النظام الذى كان يحكم انشغل هو أيضا بتمكين نفسه فى سلطة كان يعتقد انها صارت بين يديه، والنتيجة أن كل شىء أفلت من الجميع، حتى استيقظنا فجأة، على خط البداية، مع كثير من الضحايا والغل والشماتة والكراهية، وكلها أمور تهدد نقاء البحث عن المستقبل المناسب لنا. وحتى نكون صرحاء مع أنفسنا، فإننا لن نستطيع النقاش الحقيقى حول مستقبلنا، إلا بعد الاتفاق على نزع الغل من نفوس البعض، وطرح الشماتة من معادلات التعامل مع الآخر، والصفاء فيما بين القوى المتصارعة، وإذا كان ذلك رومانسيا ومستبعد حدوثه، فعلى الغالبية من قيادات القوى المتصالحة، تجاوز هذا المأزق وتأجيل حلوله النهائية لوقت لاحق وان تعمل مع الدولة فورا فى وضع أجندة للعمل من أجل المستقبل فى كل الملفات، وفى مقدمتها الملف الأمنى، بحيث يكون الرأى العام قد تمكن من وضع تصور يصبح جاهزا أمام المجلس التشريعى المفترض تشكيله بعد شهور قليلة، أما الغوص الكامل فى لحظات الكر والفر التى نعيشها. فهذا يعنى أننا سنغوص فى واقع سيئ، يتحول إلى أسوأ يوما بعد آخر، وإذا لم تلتفت النخبة إلى ذلك، فهذا يعنى أننا جميعا سنغوص فى هذا الواقع، فى خيانة واضحة لجماهير شاركت فى الثورة وعدناها بمستقبل مختلف، فورطناها فى حاضر سخيف ومؤلم، وأعتقدت أن الجماهير لن تقبل ذلك طويلا، وستهب من جديد، لأن هناك، لمن لا يعلم حتى الآن، جماهير متمسكة بثورتها، قادرة على التغيير، وستضغط من أجله، وستحارب من أجل تحقيقه، فكل ما نرجوه ان يكون ذلك سريعا وبأقل التكاليف، لأن التغيير قادم قادم، ولن تعطله بيروقراطية سلطة، أو سفسطة نخبة، أو سطوة أمنية، أو خيالات جماعات كهنوتية، ولن تطمئن هذه الجماهير إلا وهى ترى بوصلة العمل صارت صوب الاتجاه الصحيح للمستقبل الذى وعدت به ثورة يناير.