كتب المعلق المتميز والكاتب بجريدة الفاينانشيال تايمز فيليب ستيفنس مقالا نشر بعنوان «البعيد عن العين.. بعيد عن البال» يشرح فيها استراتيجية التواطؤ الإعلامى على أفعال الغرب والتى تتمثل فى تجنب تناول الإعلام لأزمات معينة حتى تدفن وتنسى. يقول الكاتب إن الغرب ظل لمدة عشر سنوات يخوض حربا زادت تكلفتها على تريليون دولار وعشرات الآلاف ما بين مصاب وقتيل من العسكريين والمدنيين. وفى السابق كان النزاع اختبارا وجوديا لحلف الناتو. والآن تتعجل الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إيجاد مخرج وربما لم يكن لديهم خيارات كثيرة. فنحن نعيش عصرا من ضعف الاهتمام. ولم تعد معركة الغرب ضد طالبان فى أفغانستان تشكل عناوين الأخبار. وشارك الساسة والجنرالات والدبلوماسيين والكثير من وسائل الإعلام فى المؤامرة غير المعلنة ومفادها إن البعيد عن العين، بعيد عن البال. ويزعم هذا السيناريو أن القوة الدولية للأمن والمساعدة، سوف تترك وراءها حكومة أفغانية مستقرة ومستدامة عندما تعود القوات الى الوطن فى العام المقبل. وسوف يصبح الأمن مسئولية الجيش الوطنى الأفغانى. ويمكن أن يسجل التاريخ الرسمى مرة أخرى ما قاله جورج بوش عن العراق أن «المهمة أنجزت». ويعترف من يقصون هذه الرواية الطويلة بالحرج العميق إزاء الازدواجية. فما تم التخطيط له هو انسحاب وهناك سيناريوهات بالفعل يمكن فى إطارها توحيد أفغانستان بعد ذلك لكنها سيناريوهات مطاطة لأقصى حد. وحتى أحدث تقارير البنتاجون إلى الكونجرس يشير إلى مرونة طالبان. ويقر التقرير بأنه ستكون هناك حاجة لوجود قوات غربية فترة طويلة من أجل الحيلولة دون انهيار الحكومة الأفغانية. ••• ويشير أحد التوقعات إلى أن وجود بضعة آلاف من المستشارين والمدربين الغربيين، لن يمنع طالبان من استعادة السيطرة على معاقلها فى منطقة البشتون. حيث يخسر الجيش الأفغانى الذى قام الناتو بتدريبه وإمداده بالمعدات، بتكلفة باهظة أعدادا من المتسربين أكثر ممن يتم تجنيدهم. وربما تسيطر الحكومة الحالية على كابول لكن أفغانستان تواجه خطر الانزلاق إلى حرب أهلية. فقبل فترة ليست بعيدة كان الغرب يحتفى بالرئيس الأفغانى حامد كرزاى باعتباره بطلا للديمقراطية. والآن يقال إن الرئيس باراك أوباما يستطيع بالكاد تحمل التحدث إليه. وقد ذهبت المحاولات الأمريكية المتأخرة اليائسة لبدء محادثات سلام مع طالبان ضحية تسمم الأجواء بين واشنطنوكابول. وترغب حكومة كرزاى المثقلة بالفساد، فى الحصول على أموال الغرب وفى نفس الوقت البقاء على مسافة معقولة بعيدا عن دافعى الأموال. ولا شك أن أخطاء الغرب فى أفغانستان الاستراتيجية والتكتيكية والسياسية والعسكرية أكثر من أن تحصى. وتقع المسئولية عن معظم هذه الأخطاء وليس كلها، على عاتق إدارة بوش. فقد كان طرد القاعدة وطالبان ردة فعل على هجمات سبتمبر 2011. وأفسح النصر العسكرى الطريق أمام قصر النظر السياسى. وهناك من قرر أن أفغانستان تحتاج إلى دستور مركزى؛ وهو هيكل سياسى مآله الفشل فى بلد ذى طبيعة قبلية. وقد أعقب إخفاق طالبان، فترة طويلة من الإهمال الشديد، مع تحول انتباه الولاياتالمتحدة إلى العراق. وكانت برامج مكافحة المخدرات تظهر على السطح، وتتوارى. وحتى عندما تدفقت القوات من عشرات الدول على البلاد تحت مظلة القوات الدولية «إساف» لم يستطع أحد تحديد ما إذا كانت حملة لمكافحة التمرد أو لمكافحة المخدرات. فقد اعتقد الألمان انهم هناك لإعادة بناء الأقاليم؛ وأراد البريطانيون حصة من الصفقة. وتعهدت القوات الدولية «إساف» بالقضاء على الفساد فى حين قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سى. آى. ايه) برشوة أمراء الحرب بحقائب ضخمة ملأى بالدولارات. وتجاهل الجميع قاعدة أساسية لهذه النزاعات انه لا يمكن كسبها إذا وجد المتمردون ملاذا آمنا فى دولة مجاورة؛ باكستان فى هذه الحالة. وأدت المهانة التى لقيها القادة البريطانيون فى العراق الى تهورهم فى أفغانستان. وتدفقت القوات على مقاطعة هلمند، مبشرة بنصر سريع. فقتل المئات من الجنود الشبان بلا مقابل. ويتعين ان يتحمل الرئيس أوباما نصيبا كبيرا من اللوم. فقبل انتخابات 2008، وصف أفغانستان بأنها «الحرب الجيدة» لتمييزها عن العراق. وبدا مستعدا لإدارة حملة جادة لمكافحة التمرد. ثم تعهد بوضح استراتيجية مصاحبة للانسحاب العسكرى. وانتهى الأمر باستراتيجية خروج، وصفها هنرى كيسنجر بحق بأنها خروج ولكن بلا استراتيجية. وكان الطموح لبناء ديمقراطية على النمط الغربى، ساذجا دائما. عندما كان جنرالا مثل ستانلى ماك كريستال يبدأ فى الحديث عن حملة عسكرية تمتد عقودا، كان أى شخص يمتلك عقلية سياسية يدرك ان اللعبة انتهت. وربما لم يكن من الممكن سوى اجراء تسوية سياسية بين كابول وعناصر معتدلة من طالبان بدعم من جيران إقليميين من بينهم إيرانوباكستان والهند. غير أن أوباما لم يسع لذلك أبدا. وتمسك بالفكرة الغبية التى تقول إن التحدث إلى العدو، نوع من أنواع الاسترضاء. وقد صاحب رفضه التحدث إلى طالبان حتى قبل شهر أو شهرين رفضا حازما لتوسيع المباحثات مع إيران، خارج قضية برنامج طهران النووى. والنتيجة، أنه لا أمل فى عقد اتفاق سياسى، يقول كل دبلوماسى تحدثت إليه إنه الضمان الوحيد لتحقيق استقلال نسبى. وربما يقول البعض إن الرئيس، بهذا الانسحاب، أجاب عن التساؤل الذى كثيرا ما كان يطرحه مبعوثه السابق إلى المنطقة، الراحل ريتشارد هولبروك: إذا كان العدو هو تنظيم القاعدة فى باكستان، فلماذا نقاتل طالبان فى أفغانستان؟ وقد صارت حملة متصاعدة للطائرات بلا طيار ضد الجهاديين فى باكستان، حجة أوباما لعدم القيام بشىء فى أفغانستان. ولم تكن هذه نية هولبروك أبدا: فقد أدرك المسئول السابق فى وزارة الخارجية مسئولية الولاياتالمتحدة فى السعى نحو تحقيق مصالحة سياسية. ••• لقد استغرق انزلاق أفغانستان إلى حرب أهلية، أربع سنوت منذ بدء الانسحاب السوفييتى فى 1988. وربما يراهن الناتو على تجربة مماثلة. ولكن بحلول عام 2018، هل سيبالى أحد فى الغرب بمن يحكم كابول؟ ربما لا. لكنها طريقة رحيل مزرية للغاية.