من بين الأمور التى تدعو إلى التفاؤل كون جون كيرى السياسى الوحيد فى العالم المستعد للمخاطرة وبذل كل ما هو مطلوب من أجل إنقاذ حل الدولتين فى اللحظة الأخيرة؛ وأن بنيامين نتنياهو هو الزعيم الوحيد من اليمين الإسرائيلى الذى يلتزم علناً حلّ الدولتين، وهو رئيس الحكومة الإسرائيلى الوحيد الذى وقع اتفاقات سياسية مع الفلسطينيين فى أعقاب اغتيال إسحاق رابين؛ ومحمود عباس هو الزعيم الفلسطينى الوحيد الذى منذ 25 عاماً وقف مع حل الدولتين؛ ومارتن إنديك هو خبير السلام الوحيد الذى شغل منصب سفير الولاياتالمتحدة فى إسرائيل مرتين ويعرف الإسرائيليين والفلسطينيين جيداً، كما أنه يعرف عمق النزاع بينهما وهو يحاول اليوم إنهاءه. وما يمكن قوله إن اجتماع كيرى ونتنياهو وعباس وإنديك لن يتكرر وهو يحدث لمرة واحدة فقط. لذا، فمن المنتظر أن تكون الأشهر التسعة المقبلة هى الأشهر الأخيرة للتفاؤل الحذر. لكن على الرغم من ذلك، فثمة مجال أيضاً للتشاؤم. فقبل مجىء كيرى إلى المنطقة جاء وارن كريستوفر، ومادلين أولبرايت، وكولن باول، وكونداليزا رايس، وهيلارى كلينتون. وطوال 20 عاماً حاول جميع وزراء الخارجية الأميركية تحقيق سلام، لكنهم فشلوا. وقبل القرار الذى اتخذه نتنياهو سنة 2013 ، فإن جميع المحاولات التى بذلت منذ 2009 حتى 2012 من أجل دفع رئيس الحكومة إلى الخروج من الجمود باءت بالفشل. ومن هنا يمكن القول إن حظوظ مارتن إنديك بالنجاح ضئيلة. مع ذلك، هناك أسباب عديدة تدفعنا إلى اعتقاد أن هناك فرصة جدية، فما يطمح إليه كيرى ليس الوصول إلى الرئاسة الأمريكية بل تحقيق إنجاز تاريخى حقيقى، لذا فهو يوظف فى السلام جميع الموارد التى يملكها وتملكها الأمة التى يمثلها. ولدى نتنياهو دوافع استراتيجية مهمة (إيران) وسياسية (الليكود)، تدفعه إلى التجاوب مع مبادرة كيرى. لكن فى المقابل هناك مخاطر كبرى، فمكانة الولاياتالمتحدة تراجعت فى الشرق الأوسط وأصبحت فى نظر عدد من دول المنطقة دولة عظمى فى حالة انحدار، والفوضى الإقليمية السائدة حالياً لا تسمح لأى زعيم عربى لا يتمتع بالشرعية المطلوبة، بالتوقيع على اتفاق سلام رسمى مع إسرائيل.