نساء يرتدين نظارات الشمس، وأغطية للرأس، يتحدثن عبر مكبرات الصوت، ويلوحن بالكاميرات، ويحملن لافتات. عندما ظهرن للمرة الأولى، كانت صور احتجاجات جامعة طهران عام 2005 المطالبة بحقوق المرأة تذكيرا قويا بالإمكانات الحقيقية للمرأة الإيرانية. كن نساء من جميع الأعمار فى حالة انتفاض، واصلن التحرك بعدما هدأ المحتجون أنفسهم. وفى الولاياتالمتحدة، عزا معظم المعلقين ذوى الميول الأمريكية قوة المظاهرات الأخيرة إلى انتخاب باراك أوباما. وأراد آخرون إعطاء مصداقية للخطاب الديمقراطى فى عهد إدارة بوش. وما زال آخرون يريدون أن يطلقوا على الأمر تسمية «ثورة تويتر» أو «ثورة الفيس بوك»، كما لو أن التكنولوجيا الحيوية الجديدة وحدها من ألهمت الاحتجاجات. لكن الحقيقة أن الإقبال الكثيف على الانتخابات كان نتيجة سنوات عديدة من العمل المنظم، الذى قامت به مجموعات صغيرة من نشطاء الحقوق المدنية، وفى مقدمتها، جماعات حقوق المرأة، التى تعمل بصورة غير ملحوظة عموما ومن دون الكثير من المساعدة الأجنبية. ومنذ عام 2006، تقوم «حملة المليون توقيع» بتوزيع التماس، على شبكة الإنترنت ومطبوع، يدعو لإلغاء القوانين، التى تفرض تمييزا ضد المرأة: من أجل حقوق متساوية للنساء عند الزواج، وحقوق متساوية عند الطلاق، وحقوق متساوية فى الميراث، والمساواة فى الشهادة بين الرجل والمرأة أمام المحاكم. ورغم أن مؤسسة عبدالرحمن بوروماند، التى أسستها شقيقتان، مقرها فى الخارج، إلا أنها تقوم بترجمة ونشر وثائق حقوق الإنسان الرئيسية على الإنترنت، وهى تحتفظ أيضا بقاعدة بيانات على الإنترنت تحوى أسماء الآلاف من ضحايا الثورة الإسلامية. وفى العقد الأخير، ساهمت نساء إيرانيات فى إضرابات طلابية، وفى إضرابات الأساتذة، وفى المنظمات البهائية، والمسيحية، وغيرها من الجماعات الدينية التى يصمها النظام ب «الهرطقة». فالأمر ليس له علاقة بأوباما، ولا بوش، ولا تويتر، ولكنه بعبارة أخرى سنوات من العمل والجهد كانت وراء الاستعراض العام للتحدى وبوجه خاص أعداد النساء فى الشوارع. صار لحضورهن أهمية. لأن الادعاء بالإلهام الإلهى كامن فى قلب أيديولوجية الجمهورية الإسلامية: فالقيادة شرعية، وقمعها للنساء بصورة خاصة شرعى، لأن الله قدَّرَ ذلك. وكان من شأن الرفض القاطع لهذه العقيدة من قبل عشرات الآلاف من النساء، ليس فقط خلال الشهر الماضى، ولكن عبر العقد الماضى، إضعاف ادعاء الجمهورية الإسلامية بأنها لا تقهر فى إيران وفى أنحاء الشرق الأوسط. وتعلم نخبة النظام السياسية هذا تماما. فلم تكن مصادفة أن المنافسين الرئيسيين للرئيس محمود أحمدى نجاد فى حملة الانتخابات الإيرانية تعهدا بإلغاء بعض القوانين، التى تميِّز ضد المرأة ولم تكن مصادفة أن المنافس الرئيسى مير حسين موسوى استخدم زوجته، زهرة راهنا فارد، وهى أستاذة علوم سياسية ورئيسة جامعة سابقة، فى حملته الدعائية وملصقاته. ويعلم رجال الدين الإيرانيون أن النساء يمثلن تهديدا جسيما لسلطتهم: وكتبت الناشطة لادان بروماند أن النظام لن يتكبد عناء استخدام أشكال وحشية من القمع ضد المنشقين ما لم يخشاهم بشدة. فلن يقتل أحد شابة ترتدى الجينز متظاهرة سلمية غير مسلحة إلا إذا كان مجرد وجودها فى الشارع يمثل تهديدا خطيرا. وهم قد ينجحون. فالعنف ينجح دائما، على الأقل فى الأجل القصير، فى إخافة الناس. ومع ذلك، ففى الأجل الطويل، سوف تواصل الروابط، والهياكل والمنظمات والجماعات، التى أنشأتها المرأة الإيرانية ناهيك عن الصور الفوتوغرافية، التى التقطت الأسبوع الماضى النخر فى شرعية النظام الإيرانى وينبغى أن نكون على وعى بذلك. وأنا لا أستطيع تذكر عدد المرات، التى قيل لى فيها خلال السنوات الماضية إن «قضايا المرأة» موضوع ثانوى فى العالم الإسلامى. وسواء دار النقاش حول الدستور الأفغانى أو الحكومة السعودية، فالخط العام بين المعلقين ذوى القيمة دائما ما يكون أن هناك أمورا أخرى أهم، مثل الاستقرار، والأمن، والبترول. غير أن الأنظمة التى تقمع الحقوق المدنية والإنسانية لنصف سكانها، هى بطبيعتها أنظمة غير مستقرة. فعاجلا أو آجلا سوف يحدث رد فعل عنيف. ونحن نشهد ظهور إحدى هذه التجارب فى إيران. New York Times Syndicate