أثار إعلان المحكمة الدستورية العليا مؤخرا، عن عدم دستورية عدد من مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية، المرسل إليها من مجلس الشورى، وعلى رأسها المادة الخاصة بمنع العسكريين ورجال الشرطة من التصويت فى الانتخابات، جدلا فى الأوساط السياسية والقانونية، ما بين مؤيد ومعارض. فبينما اعتبره المؤيدون إنصافا، وعودة صحيحة إلى المسار الديمقراطى، اعتبره آخرون بداية العد التنازلى لانهيار الدولة والاقتتال الداخلى، بتسييس القوات المسلحة والشرطة، والزج بهما فى أتون المعارك الحزبية والسياسية.
«الشروق» حاورت مقدم الشرطة الدكتور محمد محفوظ، صاحب أول دعوى قضائية من نوعها للمطالبة بأحقية أفراد وضباط الشرطة فى التصويت، برقم 235 لسنة 31 أمام المحكمة الدستورية، فى 7 أبريل 2009، وتعرض بسببها لمضايقات من جهاز مباحث أمن الدولة، على حد قوله، وإحالته إلى مجلس تأديب، ثم فصله فى 20 ديسمبر 2009.
● كيف قرأت قرار المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية منع ضباط الشرطة والجيش من التصويت فى الانتخابات؟ القرار يتفق مع صحيح الدستور، فالمحكمة الدستورية هى الأمين على تطبيق نصوصه وضوابطه وقواعده، وعندما ضاهت النصوص الدستورية بالفقرة الأخيرة من المادة الأولى من مباشرة الحقوق السياسية، وجدت أنها غير دستورية، وتتناقض مع المواد 5، و6، و33، و55، و64 من الدستور.
● لكن المحكمة الدستورية لم تعلق على مواد القانون عام 2011؟ هناك من يحاول الهجوم على المحكمة الدستورية دون سند، فالاختلاف بين المرة التى نظرت فيه المحكمة الدستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية السابقة، وهذه المرة، أن المرة الأولى تم عرض المواد الجديدة أو المواد التى تم تعديلها فقط على المحكمة، لكن هذه المرة تم عرض القانون بكامله، وبالتالى كان يجب أن تتصدى لتلك النصوص المخالفة، وتقضى بعدم دستوريتها.
● ما تعليقك على هجوم المعارضين للقرار على المحكمة الدستورية؟ هناك سببان لهجوم المعارضة على القرار، الأول هو وجود تخوف لدى جماعة الإخوان المسلمين، نتيجة عدم تمكنهم حتى الآن من أخونة القاعدة العريضة من الجيش والشرطة، أن تكون أصواتهم ضد السياسات الفاشلة لنظامها. أما الثانى، فأنا أعتقد أن الإخوان يتعمدون وضع نصوص تخالف الدستور بصورة فجة، حتى تقوم المحكمة الدستورية بإعادة القانون إليهم لتعديله، ثم لا يقومون هم بتعديله، الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى إلغاء أى دعوة لإجراء الانتخابات فى المستقبل، مثلما حدث فى المرة الأولى، فالإخوان لا يريدون إجراء انتخابات النواب الآن، مع وصول شعبيتهم إلى الحضيض، لذلك من مصلحتهم استمرار مجلس الشورى الذى يمتلكون فيه أغلبية ساحقة، لتمرير كل القوانين التى تتيح لهم السيطرة على مفاصل الدولة، وقمع الحقوق والحريات لمعارضيهم.
● يبرر المعارضون لتصويت ضباط الجيش والشرطة فى الانتخابات موقفهم، بأن القرار سيجر البلاد إلى اقتتال داخلى، ويضر بالأمن القومى. المبررات التى يقدمها أنصار التيار الإسلامى والموالون له، تتصادم مع البديهيات المنطقية، والواقع المعمول به فى كل دول العالم الديمقراطية، وسأقدم مثالين بسيطين لإثبات عدم منطقية هذه المبررات. المثال الأول أنه فى عام 1952 الذى قامت فيها ثورة 23 يوليو، كان القانون المنظم للانتخابات، هو المرسوم برقم 148 لسنة 1935، وكان يمنع الشرطة والجيش من التصويت، وكلنا يعلم أن الجيش المصرى رغم ذلك، كان مخترقا من كل التيارات السياسية الموجودة على الساحة، كما يعلم الجميع ارتباط جماعة الإخوان المسلمين بالضباط الأحرار فى تلك الفترة. وبالتالى هل كان التصويت الانتخابى الممنوع فى تلك الفترة للشرطة والجيش هو السبب فى اختراق المؤسسة العسكرية من التنظيمات السياسية؟ الإجابة بالطبع لا، وبذلك فإن الحق فى التصويت ليس السبب فى اختراق الجيش والشرطة، لكن العكس هو الصحيح، فالمنع من التصويت الانتخابى، يؤدى إلى تراكم القناعة لدى ضباط وأفراد الجيش والشرطة، بأنهم ليست لديهم القدرة على المشاركة فى تغيير المجتمع الذى يعيشون فيه، إلا باستخدام القوة، لأن حقهم فى التغيير السلمى تمت مصادرته. أما المثال الثانى، فهو أن الشرطة المصرية ظلت ممنوعة بنص القانون من التصويت فى الانتخابات، طيلة عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ورغم ذلك، كان ولاء الشرطة المصرية للحزب الوطنى الديمقراطى، وكانت تقوم بتزوير الانتخابات لصالحه، الأمر الذى يؤكد أن التصويت الانتخابى ليس مسئولا عن ولاء الشرطة للنظام الحاكم، بل العكس هو الصحيح.
● بعض المعارضين يرون أن أحقية الشرطة والجيش فى التصويت يمكن أن تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية، خصوصا أن الجهتين تتوليان مسئولية التأمين؟ هذا المبرر واه، لأن القضاة هم رؤساء اللجان العامة والفرعية، وأعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وجميعهم لهم حق التصويت رغم إشرافهم على العملية الانتخابية، وبالتالى هل جادل أى أحد بشأن عدم حيادية القضاة، رغم حقهم فى التصويت، كما أن صلاحية القضاة أخطر، ولا تتناسب مع السلطة المحدودة لضباط الشرطة، الذين يقفون على أبواب اللجان الانتخابية.
● هل تتوقع إلغاء الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ بالطبع، لو ظل هذا التخبط موجودا، سيتكرر نفس المشهد الهزلى السابق، الذى أدى إلى رفع دعاوى قضائية تؤدى لإلغاء انتخابات مجلس النواب، نتيجة عدم الالتزام بتطبيق ملاحظات المحكمة الدستورية، الأمر الذى يضمن بقاء مجلس الشورى متحكما فى السلطة التشريعية.
● هل لديك مخاوف من محاولة القوى السياسية استغلال أحقية ضباط الجيش والشرطة فى الحشد؟ لا أخاف سوى من جماعة الإخوان المسلمين، فنحن نعيش فى زمن المؤامرة، وكلمة الحق التى يراد بها باطل، ومن المتوقع أن يتم استخدام أية أفكار عظيمة لتمرير سياسات خبيثة، وبالتالى سيمارس الإخوان ضغوطا فى حال تسليمهم لقرار المحكمة الدستورية، لممارسة ضغوط على الجهات العسكرية والشرطة، لتوجيه التصويت لصالحهم. وأنا لدى هواجس من محاولة الجماعة استقطاب رجال الشرطة والقوات المسلحة بطرق خاصة، من بينها طرحها لمشروعات قوانين ذات امتيازات خاصة لأفراد القوات المسلحة، ومطالبتها بتعديل المادة رقم 103 من قانون الشرطة، لتسهيل ترقية أمناء وأفراد الشرطة من حملة المؤهلات العليا.
● كيف يمكن التعامل مع تلك التخوفات والهواجس؟ لا بد من الضغط المجتمعى لمنع الانحراف بالحق الانتخابى لضباط الشرطة والجيش، من خلال حظر التصويت فى المقار العسكرية والشرطية، والإقرار فى القانون بأن يتم التصويت فى اللجان الانتخابية ذاتها التى يقوم المواطنون بالتصويت، وإذا تعارضت المسئوليات الوظيفية لضباط وأفراد الشرطة والجيش مع قيامهم بالتصويت فى ذات اليوم، يمكن استخدام نظام التصويت المبكر المعمول فى كثير من دول العالم، والذى يمارسه المصريون فى الخارج، ومارسه جهاز الشرطة والجيش فى العراق، خلال انتخابات أبريل الماضى، كما يجب أن ينص القانون على عقوبة تصل إلى درجة العزل من الوظيفة، لكل من يثبت تورطه من المسئولين العسكريين والأمنيين فى توجيه مرءوسيه للتصويت لتيار معين.