خلال شهوره العشرة فى السلطة، تبدلت لهجة الرئيس محمد مرسى وخطابه تجاه الأزمة السورية، رغم ما تعلنه دوائر السلطة فى القاهرة من «ثبات» الموقف المصرى، فالرئيس الذى دعا بعد أسابيع قليلة من توليه الحكم بشار الأسد إلى التنحى، يقترح اليوم مفاوضات تجمع النظام السورى وأطياف المعارضة عبر رعاية إقليمية. وقال فى تصريحات نسبتها إليه صحيفة وول ستريت جورنال إن «مصر لا تفضل طرفا على آخر فى الصراعين السورى والفلسطينى، ولذا فهى مهيئة للعب دور وسيط السلام». الرئيس كان يتحدث خلال زيارته للبرازيل أثناء مؤتمر صحفى جمعه ونظيرته البرازيلية ديلما روسيف عن «الحاجة إلى القيام بكل ما هو ممكن لوقف سفك الدماء فى سوريا»، وكانت مناسبة لطرح ما اعتبره الرؤية المصرية لحل الأزمة السورية. «توسيع مجموعة الرباعية (المعنية بالملف السورى) لتشمل ممثلى المعارضة، والنظام السورى، وجامعة الدول العربية».
تصريح لا يمكن أن يمر بسلام على أطراف الملحمة السورية، لأنه «يطيح بتصريحات مرسى الحماسية عن نصرة الشعب السورى، التى استبعد فيها النظام من المرحلة الانتقالية وعمليات التفاوض»، فى ظن دبلوماسى مصرى على صلة بالملف السورى.
الرئيس مرسى، خلال زيارته لروسيا منتصف الشهر الماضى، وفقا لمصدر دبلوماسى رفيع، «سلم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين اقتراحا صاغته الرئاسة فى صفحة واحدة، عن تصوره لفكرة الحل الإقليمى». ويضيف أن «الرئيس الروسى قرأ الورقة أثناء الجلسة ولم يتحمس للاقتراح المصرى لأنه ينحى الدور الروسى فى الحل جانبا».
لكن الرئيس المصرى عاد من روسيا تسبقه تصريحاته عن «تطابق» الرؤى بين القاهرةوموسكو عندما يتعلق الأمر بما يجرى فى دمشق. التصريح تلقفته طهران، ودعت وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو لعقد اجتماع وزارى لأعضاء الرباعية التى كان مرسى أعلن عن تشكيلها فى مكة. «الوزير رأى ان الوقت غير ناضج لمثل هذا الاجتماع». تحدثت الخارجية الإيرانية مع مؤسسة الرئاسة التى لبت الدعوة عبر مساعد رئيس الجمهورية عصام الحداد ورئيس الديوان رفاعة الطهطاوى، فى زيارة مفاجئة لم تكن مدرجة على جدول أعمال الرئيس الإيرانى.
إدارة التفاوض عبر مجموعة إقليمية هو عنوان الفكرة المصرية التى رفضتها موسكو، وخضعت للنقاش فى طهران باعتبارها إطارا «يسمح بإعادة إحياء بعض الأفكار من بيان جنيف». ورقة جنيف صدرت يوم تسلم مرسى الحكم نهاية يونيو من العام الماضى عقب لقاء جمع الأممالمتحدة ودولا غربية وعربية وجامعة الدول، وطرحت الورقة مرحلة انتقالية تنقل فيها السلطات لحكومة تشارك فيها المعارضة، لكن لا تنص صراحة على رحيل الأسد. وهى الورقة التى جرى حولها التفاهم الروسى الأمريكى الأخير وتسمح «بالتفاوض مع الأسد على الرحيل بدلا من إزاحته، وأبدت دمشق شعورا بالارتياح بشأنها»، بحسب مصدر دبوماسى.
الارتياح السورى يدعمه ما نقله الإيرانيون للمسئولين فى دمشق من «انطباعات إيجابية عن زيارة الوفد المصرى لطهران، وعن انفتاح المصريين على عديد من الأفكار، وعن ضيقهم من بعض المواقف القطرية والتركية»، كما كشفت مصادر ل«الشروق».
النظرة الإيجابية تلك كانت مدعومة بما فهمهه الإيرانيون من أنه «لا يمكن التوصل إلى حل للأزمة السورية والقضايا الاقليمية بدون مشاركة طهران»، ونقله الرئيس مرسى فى رسالة بعث بها إلى نظيره الإيرانى قبل أيام.
حديث الوساطة المصرية، يجد صدى لدى دمشق، ويدعمه أيضا توقيت عودة القائم بالأعمال المصرى إلى العاصمة السورية التى تعتقد جادة فى تغيير موقف القاهرة واتخاذها خطوة أبعد من تركيا والمملكة العربية السعودية وخطوة أقرب باتجاه إيران وسوريا.
نظام الأسد سرب أمس تصريحات نقلت على لسان مسئول مُجهل يؤكد أن دمشق «مستعدة لفتح القنوات مع مصر واستعادة العلاقة الطبيعية معها»، بل إن طهران حصلت على «الضوء الأخضر للمضى فى هذا الاتجاه».
فى القاهرة يقول عدد ممن تحدثت إليهم «الشروق» فى دوائر صنع القرار إن الموقف المصرى لم يشهد أى تغيير إزاء الأزمة السورية، «القاهرة لم تسجل فى أى لحظة منذ حكم المجلس العسكرى وحتى اليوم أى مساندة لتسليح المعارضة السورية أو تأييد لعمل عسكرى أجنبى ضد نظام الأسد»، كما أكد مصدر بوزارة الخارجية. ويضيف، وهو يذكر تصريحات مماثلة لوزير الخارجية المصرى منتصف الأسبوع الماضى، «عندما نشير إلى حل سياسى، فهذا لا يعنى دعم بشار أو الموافقة على استمراره فى السلطة، وإنما يعنى الانحياز لحل تفاوضى، يحافظ على وحدة سوريا، إنه بعض من ترتيب الأولويات».
الأولوية إذن الآن هى وحدة سوريا وليس إسقاط بشار، فهل تملك مصر أن تتحرك باتخاذ موقف اقيلمى مختلف عن موقف قطر والسعودية وتركيا فى ظل أعباء اقتصادية داخلية يعتمد فيها مرسى بشكل رئيسى على هذه الدول؟
السؤال الآخر الذى يحتاج إلى مزيد من الوقت للإجابة عليه هو هل تنجح القاهرة فى بناء إجماع داخل صفوف المعارضة السورية للجلوس مع نظام بشار والاتفاق على فريق موحد.
تقول مصادر ل«الشروق» إن دبلوماسيا مصريا رفيعا سافر بالفعل إلى باريس للقاء بعض المعارضين السوريين، فى «لقاءات غير رسمية» فى وقت تلتقى فيه أطراف معارضة أخرى فى القاهرة فى «لقاءات تشاورية».