كتب فيليب جنكينز، مدرس فى معهد الدراسات الدينية التابع لجامعة بايلور، مدونة على موقع صحيفة «كرونيكل أوف هاير إديوكاشن» الأمريكية جاء فيها: على مدى عشرات السنين، أثار احتمال أن يأتى بابا للكنيسة من خارج أوروبا كلا من حماس وقلق المراقبين للكنيسة الكاثوليكية فى روما. ومع ارتفاع عدد الكاثوليك باطراد فى جنوب الكرة الأرضية، بدا استمرار هيمنة الأساقفة الأوروبيين على الكنيسة، وضعا ظالما على نحو أكبر من ذى قبل. وبحلول عام 2030سوف يعيش 80 فى المائة من كاثوليك العالم فى أفريقيا أو آسيا، أو أمريكا اللاتينية. وسوف يزيد عدد الكاثوليك فى أفريقيا عنهم فى أوروبا نفسها. فهل يمكن أن تخضع مثل هذه الكنيسة، إلى الأبد، لرئاسة أولئك المنتمين لأوروبا الغربية، وهى منطقة تستسلم بسرعة للعلمانية؟ لقد كان التحول بسبيله للحدوث وعندما وقع كانت الأرجنتين أكثر الدول المؤهلة لتحقيقه. وأخيرا، نشهد بابا يستطيع التحدث إلى أمريكا اللاتينية والعالم غير الأوروبى. ويعتبر هذا التحرك رمزيا، بالنسبة للكاثوليك من جنوب الكرة الأرضية، وربما يمثل بداية سلسلة لا نهائية من بابوات غير أوروبيين.
وهناك فكرة جريئة: هل يحتل بنديكت السادس عشر موقعه فى الموسوعات باعتباره آخر بابا من أوروبا؟
•••
ويضيف الكاتب كلما بحثنا وضع الأرجنتين كلما بدا الكاردينال خورخى ماريو بيرجوجليو خيارا ممتازا حتى بالنسبة لأكثر الأوروربيين محافظة. وسرعان ما سيتضح لماذا تكون الأرجنتين الخيار الأكثر جاذبية. فبينما يميل الأمريكيون إلى اعتبار بلدان أمريكا اللاتينية كتلة واحدة، تعتبر الأرجنتين فى الواقع دولة متميزة.
فهى تعتبر إلى حد كبير أكثر بلدان القارة شبها بأوربا، وخصوصا إيطاليا. حيث يمثل المنحدرون من أصل إيطالى نسبة كبيرة من سكانها، وفى أواخر القرن التاسع عشر كانت الوجهة المفضلة لأولئك المهاجرين الإيطاليين الذين لم يتوجهوا إلى الولاياتالمتحدة. وبطبيعة الحال، يعيش فى هذا البلد الكثير من الجماعات العرقية الأخرى، خصوصا الألمان والسوريين/ اللبنانيين، لكن الملمح الإيطالى هو الذى ميز المجتمع الأرجنتينى والسياسة الأرجنتينية. ومثلما يعتبر البريطانيون مواطنى أستراليا ونيوزيلندا، أبناء عم بعيدين، ينظر الإيطاليون إلى الأرجنتين نفس النظرة.
ومن الواضح أن الأرجنتين تعتبر أوروبية من حيث تاريخها وتقاليدها. فهى تنتمى إلى أمريكا اللاتينية حقا لكنها بالقطع ليست جزءا من العالم الثالث. فخلال الخمسينيات من القرن الماضى على الأقل كانت بالقطع جزءا من الغرب المتقدم، العالم الأول، لدرجة أن علماء الاقتصاد كتبوا أطروحات مفيدة حول السبب فى نجاح الأرجنتين بينما بقيت المستعمرات الأخرى، مثل أستراليا، فى ركود التخلف والاستغلال. وحتى الأربعينيات من القرن الماضى كانت بيونس أيرس واحدة من أكبر مدن العالم وأكثرها رقيا وتحتل المكانة الخامسة بعد لندن ونيويورك وباريس وبرلين.
فضلا عن أنه بخلاف بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، مثل المكسيك أو البرازيل، لا يوجد فى الأرجنتين سوى مجموعة صغيرة باقية من السكان الأصليين أو الهنود؛ ومن ثم، نادرا ما تثار التساؤلات ذات الطابع الدينى. كما أن الكنيسة الأرجنتينية تواجه مشكلات يتم الاعتراف بها فورا من روما أو مدريد. وبينما يضم البلد أقلية صغيرة من طائفتى العنصرة والإنجيلية، لكنها ليست بقوة هذه الأقليات فى البرازيل أو تشيلى المجاورتين. بل إن التحدى الأكبر يأتى من العلمانية؛ حيث يعلن نحو 15 فى المائة أنهم لا دينيين، كما أن الغالبية العظمى ممن يعتبرون أنفسهم «كاثوليك» لا يمارسون إلا الحد الأدنى من الطقوس الدينية على الأكثر. ويرفض العديد ممن يعتبرون أنفسهم كاثوليك محاولات الكنيسة التدخل فى الحياة العامة.
وفى أوائل 2002، سمحت مدينة بيونس أيرس بزواج المثليين، متحدية هجوم القيادات الكنسية. وفى 2010 تبنى البلد بأكمله سياسة مماثلة بالنسبة لزواج نفس الجنس، بما يجعلها الدولة الأمريكية اللاتينية الرائدة فى هذه القضية.
•••
ومن الناحية الرمزية يعنى اختيار الكاردينال بيرجوجليو، انتقاء بابا من الجنوب، فى حين أنه، من الناحية الواقعية، اختيار أشبه البدائل بالأوروبيين والأقرب لكونه إيطالى.
كما يوحى اختياره المميز للاسم البابوى. ففى تاريخ تلك القارة، تشكلت الكنيسة إلى حد بعيد طبقا للطوائف الدينية، بما فيها الدومينيكان والفرنسيسكان، وطائفة بيرجوجليو نفسها: اليسوعيين. وباتخاذه اسم فرانسيس، يؤكد البابا على ذلك التاريخ ويزيل الحواجز والمنافسات التى كانت تفصل ذات يوم بين الطوائف المختلفة.