التضامن تعلن بدء الحصر الشامل للحضانات على مستوى الجمهورية    رئيس جامعة المنوفية يستقبل نقيب المحامين بالمحافظة لتعزيز التعاون المشترك    وزير العمل ومحافظ البحر الأحمر يتفقدان ملتقى توظيف يُوفر 221 عقد عمل    كامل الوزير يتفقد الدائري الإقليمي ويوجّه بحزمة إجراءات عاجلة    إعلام عبري: مقتل 20 جنديا إسرائيليا في قطاع غزة خلال 29 يوما    بخمس فرق.. الجيش الإسرائيلي يستعد لمناورة "لم يسبق لها مثيل" في غزة    إبراهيم فايق يؤكد اعتزال شيكابالا ويعلق: أعظم من لمس الكرة    أول رد من المصري على انتقال لاعبه إلى الأهلي    شاب ينهي حياته بمدينة نصر بسبب خلافات عائلية    «رغم صعوبة القطعة».. طالبات القليوبية: امتحان الإنجليزي في متناول الجميع    إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص داخل ترعة فى أطفيح    وفاة والدة الفنان هشام إسماعيل    عرض "شلباية" و"قبو الغربان" الليلة بمهرجان فرق الأقاليم    تامر حسني يدعم سارة وفيق برسالة مؤثرة بعد نجاح فيلمها: "أهلك أهلي ومبروك الرقم الاستثنائي"    هيئة الدواء تحذر من شراء منشطات جنسية من مصادر غير موثوقة    محافظ الشرقية يفاجئ مجمع خدمات قرية بردين ومركز صحة الأسرة لتفقد الخدمات    5% علاوة ترقية.. ضوابط ترقية الموظفين والتطبيق من يوليو 2025    روسيا تشن أكبر هجوم جوي لها على أوكرانيا منذ بداية الحرب    ضبط 58452 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    "التضامن": حصر وطنى شامل للحضانات لدعم الطفولة وتيسير إجراءات التراخيص    نجاح زراعة منظم دائم لضربات القلب لإنهاء معاناة مريض من اضطراب كهربي خطير    عاصفة رعدية تؤخر سفر بايرن ميونخ إلى ميامي لمواجهة فلامنجو    السيسي يشهد أداء اليمين القانونية لرؤساء الهيئات القضائية الجدد    حادث جديد على الإقليمي بالمنوفية.. انقلاب سيارة فاكهة قرب موقع مأساة ال19 فتاة    محافظ المنوفية يستقبل مفتى الجمهورية لتقديم واجب العزاء فى شهداء حادث الإقليمي    انطلاق تصوير فيلم "ابن مين فيهم" لبيومي فؤاد وليلى علوي    ب "3 كلمات".. مدرب بالميراس يكشف مفتاح الفوز على بوتافوجو في مونديال الأندية    وزير الكهرباء يزور مجموعة شركات هواوي الصينية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة    "رياضة النواب": ثورة 30 يونيو منحت الشباب اهتمام غير مسبوق وستظل علامة مضيئة في تاريخ مصر    رئيس النواب يدعو لجنة النقل بإعداد تقرير عن حادث الطريق الإقليمي    انتخابات مجلس الشيوخ| الهيئة الوطنية تعلن التفاصيل "الثلاثاء المقبل"    أسعار البيض اليوم الأحد 29 يونيو 2025.. تراجع في سعر الطبق البلدي    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    ضبط 95 مخالفة تموينية في حملات موسعة على الأسواق والمخابز بالمنيا    ضبط سائق ميكروباص تحرش بطالبة في مدينة 6 أكتوبر    إسرائيل تعلن اغتيال المسؤول عن الصواريخ المضادة للدروع بحزب الله    وزير الزراعة يبحث مع نظيره الأسباني تعزيز التعاون المشترك بين البلدين    لتبادل الخبرات.. رئيس سلامة الغذاء يستقبل سفير اليابان بالقاهرة    محافظ أسيوط يفتتح قاعة اجتماعات مجلس المحافظين بالديوان العام للمحافظة    شيرين تلبي طلب معجبة بغناء "على بالي" في ختام مهرجان موازين    عمرو أديب يهاجم رئيس الوزراء بعد حادث المنوفية: عرفت تنام ازاي؟    الثلاثاء.. رامي جمال يستعد لطرح ألبوم "محسبتهاش"    ريبيرو يجهز مصطفى شوبير لحراسة مرمى الأهلي في الموسم الجديد    بيراميدز: كنا نريد ضم محمد علي بن رمضان    خزينة الأهلي تنتعش ب8 ملايين دولار بعد الخروج من كأس العالم للأندية    أسعار التوابل اليوم الأحد 29-6-2025 في محافظة الدقهلية    «الصحة» : دعم الرعاية الحرجة والعاجلة ب 713 حضانة وسرير رعاية مركزة    الأزهر للفتوى يوضح معني قول النبي" الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    الزمالك يهدد ثنائي الفريق ب التسويق الإجباري لتفادي أزمة زيزو.. خالد الغندور يكشف    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    بنفيكا ضد تشيلسي.. جيمس يفتتح أهداف البلوز فى الدقيقة 64 "فيديو"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيار الدينى السائد ومشكلة الهوية
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 03 - 2013

الاقتصادى المصرى المرموق سمير أمين، كتب مرة أن «الرأسمالية نفى للثقافة»، لم يكن يقصد الثقافة بمعنى الإنتاج الفكرى، بل بمعناها الانثروبولوجى، الذى يشمل عادات المجتمع وتقاليده، وقيمه ونظرته للحياة، مما يميز مجتمعا عن غيره. وبهذا تكاد «الثقافة» أن تكون مرادفة «للهوية». هذه الجملة تلمس فى رأيى حقيقة مهمة، وإن كان لى تحفظ بسيط عليها. فلا أظن أن الرأسمالية فى كل عصورها كانت تنفى أو تهدد الثقافة بهذا المعنى، بل كثيرا ما أفادتها وقوتها. إنما تصبح الجملة قريبة جدا من الحقيقة إذا استبدلنا بالرأسمالية «المجتمع الاستهلاكى»، وهو على أى حال من نتاج الرأسمالية ومرحلة متقدمة من مراحلها.

المجتمع الاستهلاكى يضر بالثقافة والهوية، إذ إنه أشبه «بوابور الزلط» الذى يسير فوق السمات الخاصة بكل أمة فيكاد يمحوها محوا، بما يشيعه من شهوة اقتناء المزيد من السلع، والجرى لتحقيق المزيد من الدخل والثروة، فيطيح فى طريقه بأى شىء يعترض هذا الهدف، من تقاليد المجتمع وقيمه مما كان يميز المجتمع عن غيره. كل شىء يجرى تطويعه، بل ويعامل بخفة واستهتار، فى سبيل المزيد من الربح أو تسويق المزيد من السلع: اللغة القومية، والتراث الموسيقى والأدبى، تاريخ الأمة وآثارها، مركز المرأة والاحترام الواجب لها، معاهد التعليم والاحترام الواجب لأساتذتها، جمال الشوارع وهدوئها، المعمار الجميل الذى يميز أمة عن غيرها.. الخ.

حدث كل هذا فى بلادنا وأكثر منه عندما فتحنا الأبواب أمام تيار المجتمع الاستهلاكى وبدأنا نطبق سياسة الانفتاح فى السبعينيات، وكان لابد أن يثير هذا حفيظة وقلق كل من يحمل ولاء لتراث أمته ويهمه صيانة هويتها. كان من بين هؤلاء بالطبع الكثير من المتدينين، إذ كان الدين مما تعرض لهذا التهويد باعتباره مكونا لهما من مقومات الهوية. ولكن كانت هناك مشاعر أخرى قوية، غير الشعور الدينى، تدفع إلى القلق على الهوية. كان هناك عشق اللغة العربية وتراثنا الأدبى، وعشق الموسيقى العربية التى دخلت جهازنا العصبى وكونت جزءا عزيزا من ذاكرتنا، ومختلف أنواع التعبير الأخرى عن شخصية الأمة، من الزى الذى نرتديه، إلى طريقة تأثيرنا لمنازلنا، إلى تعبيراتنا الشعبية، إلى طريقتنا فى التنكيت والسخرية مما يحدث لنا، إلى طريقتنا فى التعامل مع الناس، من أقارب وغرباء.. الخ.

لقد كان الدين الإسلامى مؤثرا مهما فى كل هذه السمات المكونة لهويتنا، ولكنه لم يكن المؤثر الوحيد، فقد أحل فى تكوين هذه السمات كل ما شكل شخصيتنا من تاريخ وجغرافيا ولغة، وما أقمناه (أو فرض علينا) من علاقات مع غيرنا من الأمم.. الخ. وفى هذه الأمور كلها يشترك الأقباط مع المسلمين، متأثرين ومواترين بكل ما مر على مصر من تطورات عبر تاريخها الطويل. بل ويشترك فيها أيضا بعض الأجانب ممن جاءوا إلى مصر وعشقوها وأقاموا فيها وساهموا مساهمات جليلة فى تكوين تراثها وهويتها.

عندما كتب جمال حمدان كتابه المهم «شخصية مصر»، لم يخطر بباله قط أن شخصية المجتمع المصرى تنحصر فى أنه مجتمع غالبيته العظمى من المسلمين، ولا أظن أنه كان من الممكن أن يخطر بباله أن الباكستانى أو الإندونيسى المسلم أقرب إلى المسلم المصرى من القبطى، فيلخص الهوية كلها فى دين الأغلبية، ضاربا الصفح، ليس فقط عن أصحاب الديانات الأخرى، بل وعن كل ما يميز المصريين عن غيرهم من عادات وتقاليد ولغة وسمات نفسية تضافرت فى تكوينها عوامل كثيرة عبر التاريخ.

هناك شىء غريب إذن فى موقف كثيرين من ممثلى التيار الدينى والسلفى، المنتشر الآن فى مصر، والذى يحتل قادته قمة السلطة فيها، من ظاهرة «المجتمع الاستهلاكى». فهم يتصرفون ويتكلمون وكأن التهديد الوحيد الذى يواجه الهوية المصرية من المجتمع الاستهلاكى هو تهديده للدين الإسلامى، بينما تتعرض كل جوانب الهوية المصرية للتهديد من هذه الظاهرة، سواء تعلقت بالدين أو بجوانب الحياة الأخرى، ويتعرض الأقباط فى مصر لنفس التهديد الذى يتعرض له المسلمون، فيما يتكلمونه ويقرأونه من لغة، وما يمارسونه من عادات، ومختلف جوانب الهوية المصرية التى يشتركون فيها مع المسلمين المصريين، ينفعلون بها ويساهمون فى إنتاجها.

بل لقد ترتب على هذا الاختصار الغريب للهوية فى اعتناق الدين الإسلامى وممارسة شعائره إلى أن جرى اقتباس بعض العادات الجديدة على المصريين، بدعوى التمسك بالهوية الإسلامية، كاستيراد زى معين من بلاد إسلامية أخرى، وعادة إطلاق اللحى من عصور سحيقة فى تاريخ الإسلام أو مما قبل الإسلام. إذن فقد أصبح التمسك بالهوية فى نظر هؤلاء، يعنى التنقل جغرافيا وتاريخيا، من مصر إلى بلاد أخرى، ومن العصر الحالى إلى عصور قديمة، دون اعتبار للحقيقة الساطعة الآتية: وهى أن هوية المجتمع المصرى ليست هى هوية المجتمع الباكستانى أو الإندونيسى أو الخليجى، وأن هوية المجتمع المصرى الآن ليست كما كانت هويته منذ أربعة عشر قرنا، ولا يمكن أن تتوقع من المصريين أو نطالبهم بأن ينفعلوا بنفس ما ينفعل به المسلم فى المجتمع الباكستانى مثلا أو الخليجى، أو بما كان ينفعل به المسلم فى مصر أو خارجها منذ أربعة عشر قرنا.

ليس أقل مدعاة للدهشة والأسف، ما نراه من كثيرين من قادة وممثلى التيار الدينى والسلفى فى مصر، من أنهم وهم يؤكدون على تمسكهم بالهوية، يبدون استجابة وترحيبا مدهشين ببعض مظاهر المجتمع الاستهلاكى التى لا تمثل قيد أنملة أى سمة من سمات الهوية المصرية، بل قد تمثل تهديدا حقيقيا لبعض هذه السمات فالاستهلاك الترفى يبدو أن كثيرين منهم على استعداد للانغماس فيه، كما يبدون راضين عن انغماس أولادهم وذويهم فيه، مما يبدو غريبا على معظم المصريين، مسلمين وأقباطا، فى الحاضر وفى التاريخ، وكأن هذا الانغماس فى الترف يكفى للصفح عنه ممارسة شعائر الدين.

لقد حضرت بعض الأفراح التى يقيمها بعض ممثلى التيار الدينى والسلفى فى مصر، فوجدت هذا الانغماس الشديد فى الترف، وخروجا صارخا على عادات المصريين فى الاحتفال بالزواج، وكأنه يكفى لصرف النظر عن كل هذا إضافة بعض الطقوس الدينية فى الأفراح المقامة مما لم يعرفه المصريون قط لا فى الماضى البعيد أو القريب، فإذا نحن بصدد عرس لا هو بالشرقى ولا بالغربى، لا مصرى ولا أوروبى أو أمريكى، وإنما هو مسخ من هذا كله، يتصور أصحابه أنهم يستطيعون به تحقيق متطلبات الدين والدنيا فى الوقت نفسه، بينما قد يراه آخرون (وأنا منهم) متعارضا مع السلوك القويم فى الدنيا، ومتعارضا أيضا مع التفسير القويم للدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.