مع دخول مصر الشهر الماضى فى أزمة سياسية أخرى واستمرار نزيف الدماء، يتطلع المصريون إلى أن تصبح المعارضة الليبرالية الصوت المعبَر عن الغضب الذى تشهده الشوارع. وقد اعتبروا المعارضة المصرية منبرا للانتخابات البرلمانية المقبلة، وشاهدوها وهى توافق على إجراء حوار جاد مع الحكومة، أو حتى وهى تدين المتظاهرين الذين استخدموا العنف أثناء الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة.
وعوضا عن ذلك، تعارك زعماء المعارضة تحت راية جبهة الإنقاذ الوطنى. وقد أغضبوا الحكومة، وأثاروا سخط الدبلوماسيين، وأصابوا مؤيديهم بخيبة الأمل وابتعدوا عن المقاتلين فى الشوارع.
وفى هذا السياق، تقول الناشطة اليسارية سالى توما: «لسنا مندهشين من أفعال مرسى والإخوان المسلمين لكننا نندهش عندما نرى المعارضة الليبرالية تتخلى عن المتظاهرين وتتركهم وحدهم يواجهون وحشية الشرطة».
•••
ويتعرض الإخوان المسلمون ورئيسهم، محمد مرسى، للنقد بسبب استغلال قاعدتهم الإسلامية وتركيزهم المفرط على الانتخابات المقبلة وفشلهم فى صياغة استراتيجية متماسكة لإخراج البلاد من مأزقها السياسى أو معالجة أزمتها الاقتصادية.
ومن جانب أضحى الساسة الإسلاميون عالقين بين أعضائهم المتشددين ومقتضيات مناصبهم العليا الأعلى. وعلى الجانب الآخر بات معارضوهم الليبراليون واليساريون عالقين بين متظاهرين الشوارع المشاكسين بمطالبهم الثابتة والضغوط التى تمارس عليهم من أجل الجلوس على الطاولة والتوصل إلى تسوية يمكن أن تعطى مؤيديهم صوتا فى تقرير مستقبل البلاد.
يقول شادى حامد، الخبير المصرى بمركز بروكينجز بالدوحة، «مازالت المعارضة منقسمة وتفتقد إلى خطة بعيدة المدى، حيث مازال يغلب عليها مزاج الإعاقة إلى حد كبير ولست متأكدا من أنها ستصبح بناءة».
ويتخوف الدبلوماسيون الغربيون من عقيدة الإخوان، ويقولون إن عواصمهم ستنتهى بدعم الحكومة ضمنيا أمام معارضة تعتبر مفتتة وغير متماسكة وغير حاسمة.
بينما تم التعجيل فى الدعوة إلى حل مجلس وزراء مرسى، فقد فشلت المعارضة المصرية فى تقديم خطة اقتصادية واجتماعية مفصلة وواضحة فى حال فوزها بالسلطة، ما جعل المسئولين فى الحكومة يقولون إن المعارضة فشلت بسبب افتقادها إلى الأفكار.
فى هذا الصدد، يقول جمال حشمت، أحد كبار المسئولين بالإخوان المسلمين وعضو مجلس الشورى، «أنا شخصيا محبط من المعارضة الليبرالية ويحيرنى أداؤها، مثل غيرى من المصريين. وأضاف: «إنهم يرفضون كل الوسائل الديمقراطية التى دعوا إليها وروجوا لها؛ ويرفضون الحوار الوطنى ونتائج الانتخابات فى وقت يتواجد فيه الإسلام السياسى بقوة فى الشارع ويقدم البدائل». واستكمل قائلا: «حتى مؤيدو المعارضة أحبطهم عدم تماسك زعامتهم عندما اندلعت موجة العنف بمناسبة إحياء ذكرى الثورة».
•••
وعقب لقاء بعض أعضاء جبهة الإنقاذ بممثلين عن حزب إسلامى قريب من الحكومة هذا الشهر، تردد الحديث عن صفقة وشيكة بين المعارضة والحكومة. لكن بعد أيام، أصدر عدد آخر من أعضاء الجبهة بيانا صحفيا يرفض أى حوار ويدعو حكومة مرسى إلى الاستقالة فورا.
فى غضون ذلك، واصل الناشطون الاحتجاجات فى الشوارع كرد فعل على حالة الاضطراب السياسى التى تشهدها البلاد. ويقول مسئولو المعارضة إن تغيير المواقف ناجم عن التسرع فى اتخاذ القرارات فى ظل موقف سياسى متقلب وليس لوجود خلافات حقيقية.
يقول أحمد الهوارى، من قادة حزب الدستور الذى يتزعمه محمد البرادعى، «إنه أقرب إلى تقسيم أدوار منه اختلاف فى الآراء». وحركات شباب الثورة فى وضع يجعلها قادرة على حشد المزيد من المتظاهرين فى الشوارع. وجبهة الإنقاذ تنسحب أكثر فأكثر من توجيه العمل المباشر فى الشوارع إلى التركيز على أن تصبح منبرا يعبر بحق عن المعارضة السياسية. ستكون جبهة للتفاوض من أجل تلبية مطالب الشارع».
أضف إلى هذا أن محاولات جبهة الإنقاذ القليلة للجلوس مع مرسى أو زملائه المقربين انتهت بمحادثات «غير واضحة وغير حقيقية وغريبة» لم تسفر عن شىء، كما يقول الهوارى.
ويعترف زعماء المعارضة بخشيتهم من فقدان المزيد من الشرعية عند متظاهرى الشوارع بظهورهم فى اجتماعات مع السيد مرسى لا تسفر عن أكثر من حدث صحفى الغرض منه إرضاء حكومات الداعمين الدوليين، مثل الولاياتالمتحدة.
ويصف السيد حامد المعارضة ب«الممزقة» بسبب صراع مكوناتها ووضعها شروطا كثيرة للحوار. ويضيف: «الإخوان لن يقدموا أية تنازلات».
•••
ويرجح قليلون بإمكانية فوز الحلفاء العلمانيين والليبراليين بأغلبية المقاعد فى الانتخابات البرلمانية المقبلة. فقد حصلوا على ربع المقاعد بالكاد فى برلمان العام الماضى الذى لم يعمر طويلا.
لكن بعض نشطاء المعارضة يشيرون إلى أنهم فى حال فوزهم بثلث المقاعد فسيكون بإمكانهم أن يلعبوا دور «الكابح» عن طريق منع الإخوان من إجراء تعديلات دستورية والتحجج بوجود عقبات فنية تعطل العمل ربما ترمى بالأساس إلى إحكام سيطرتهم.
كما أن المشاركة فى العملية الانتخابية تهدد بإضفاء المزيد من الشرعية على تصويت لم تتأهل المعارضة بعد للفوز به. ويخشى اللبراليون واليساريون من تزوير الإخوان الانتخابات أو شراء الأصوات.
وقد أدى رفض الحكومة لتغيير خرائط الدوائر الانتخابية، أو تعزيز وضع وسلطة المراقبين المستقلين أو تبنى قواعد لزيادة تمثيل النساء والأقباط إلى الخوف من أن يعرقل إشراف الحكومة الإخوانية على الانتخابات إلى خسارتهم أيا كان جهدهم المبذول للفوز بالأصوات.
يقول حسين جوهر، من قادة الحزب الاجتماعى الديمقراطى والمشارك فى جبهة الإنقاذ: «إننا قلقون من التزوير فى الانتخابات وعمليات فرز الأصوات. وأضاف: «بالطبع نحن لا نملك مالا وفيرا مثل الإسلاميين نحن نجمع تبرعات لكن ليس لدينا تمويل أجنبى».