من أمتع ما قرأت فى نهاية العام رواية «سمراويت» للإيرترى حجى جابر، وهى الأولى لصاحبها. تتناول الرواية عالم الهويات المتداخلة الذى صار سمة لجيل من أبناء العالم الثالث ولدوا فى المهاجر المختلفة. الراوى «عمر» المولود فى جدة بالعربية السعودية يقوم برحلته الأولى إلى إريتريا موطنه الأصلى، وفى أحد المقاهى يلتقى بسمراويت، إريترية أخرى من مواليد باريس. كلاهما موزع بين مكان تسكنه الشخصية ومكان يسكنها، لا تعرف عنه شيئًا سوى من أحاديث الأهل ولقاءات الأصدقاء من المغتربين الآخرين. وتحتفل الرواية بخفة الكائن، خفة الحياة، وخفة اللغة، وتقدم رحلة ممتعة إلى إريتريا وأخرى داخل بطلها الذى يعيش وتتفتح مداركه على فكرة الحياة بين عالمين، لكنه لا يحمل حياته كثقل، بل يرى نفسه غنيًا بحياتين ووطنين. غير «سمراويت» قرأت العديد من الأعمال، لكننى أعول كثيرًا على المتعة عند قراءة الأدب، وأما القراءة خارج الأدب فقد اخترتها بدافع الرغبة فى فهم الجنون الذى يجرى فى مصر. قرأت ترجمة هاشم صالح لكتاب لجوستاف لوبون وخرجت بتفسير للصدام بين عالمين يعيشان فى مصر، عالم الثوار المدنيين الذين لا يعانون من هوس التعلق بزعيم ولا تسرى عليهم المواصفات التى يضعها لوبون لسيكولوجية الحشد: عدم الوعى، الاحتكام إلى العنف وتصاعد النوازع الشريرة والتفاهة، على الجانب الآخر تنطبق المواصفات على أتباع الحركات الدينية الذين لا يزالون يفكرون داخل صندوق الأيديولوجيا وينقلون إلى الساحات داخل صندوق الشاحنة ويتصرفون طبقًا للأوامر التى تصدر من زعاماتهم العنيفة.
الوجه الآخر لسيكولوجية الجماهير يقدمه ماكس فيبر فى كتاب «العلم والسياسة بوصفهما حرفة»، وفيه يحدد عالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر أشكال السلطة بثلاثة هى: سلطة الأمس الأزلى (النبى والبطريرك والأمير)، سلطة النعمة الشخصية والكاريزما (القائد المنتصر وكبير الساسة) وأخيرًا سلطة الشرعية المستندة إلى دستور شرعى وكفاءة على أساس عقلانى. ومن الواضح طبعًا أن السلطة فى مصر الآن تلعب على سيكولوجية الجماهير لفبركة شرعية تستند إلى النوعين الأقدم اللذين تستخدمهما الأنظمة الديكتاتورية، وتتحاشى النوع الوحيد الممكن بعد ثورة واعية: شرعية الكفاءة والالتزام بالقانون.