انتخابات النواب 2025، طوابير أمام لجنة هشام شتا بالعمرانية (صور)    قرارات النيابة في واقعة اتهام فرد أمن بالتحرش بأطفال بمدرسة شهيرة بالتجمع    اتحاد الغرف: تحالف لوجستي "عربي يوناني" جديد يرتكز على الموانئ المحورية    اسعار الأسمنت اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى المنيا    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بأول 90 دقيقة من بدء تعاملات اليوم الخميس    البورصة المصرية تستهل تعاملات الخميس بارتفاع جماعي    المجلس النرويجي للاجئين: 1.29 مليون شخص بغزة يواجهون الشتاء بلا مأوى ملائم    صحة غزة: موجات البرد القارس فتحت بابا جديدا للموت    احتفالات في سوريا بعد إلغاء "النواب" الأمريكي قانون قيصر ورفع العقوبات    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارات موسكو على تعليق عملياتها خلال الليل    منظمو كأس العالم 2026 يعلنون دعمهم ل"المثليين" رغم الرفض المصري والإيراني    أزمة محمد صلاح وليفربول قبل مواجهة برايتون.. تطورات جديدة    ضبط 6 أطنان لحوم فاسدة في حملات تموينية بالدقهلية    ضبط أكثر من 109 آلاف مخالفة مرورية فى يوم واحد    صدور رواية "الفنار" أحدث كتابات نعيم صبري    يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان منظمًا بشكل صارم وصاحب رسالة وتفانٍ في إيصالها    الكشف على 237 حالة خلال قافلة طبية لجامعة بنها    قافلة طبية لجامعة بنها بمدرسة برقطا توقع الكشف على 237 حالة    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    مادويكي: سعيد بالتسجيل مع أرسنال.. ويمكننا الفوز بالدوري وأبطال أوروبا    مورينيو: تصريحات كونتي مجرد أعذار.. وهدية مكتوميناي بسبب ما فعلته مع في مانشستر يونايتد    الأهلي ينهي صفقة يزن النعيمات لتدعيم هجومه في يناير    إعتماد تعديل المخطط التفصيلي ل 6 مدن بمحافظتي الشرقية والقليوبية    تداول 81 ألف طن و830 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    تايلاند تعلن عن أول قتلى مدنيين عقب تجدد الصراع الحدودي مع كمبوديا    إيقاف الرحلات الجوية فى مطارى بغداد والبصرة بسبب الأحوال الجوية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة قنا    بتكلفة 68 مليون جنيه، رئيس جامعة القاهرة يفتتح مشروعات تطوير قصر العيني    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    أحمد بنداري يدعو المواطنين للمشاركة ويحدد رقمًا لتلقي شكاوى الانتخابات    سعر الدولار الأمريكي اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    مصدران: أمريكا تدرس فرض عقوبات متعلقة بالإرهاب على الأونروا    طرق الوقاية من الحوداث أثناء سقوط الأمطار    تحريات لكشف تفاصيل مصرع طفلة وإصابة والدتها وشقيقها بعد تناول بسكويت بأكتوبر    قرار جمهوري بتعيين القاضي مجدى خفاجي رئيسا لمحكمة استئناف قنا    ترامب: مجلس السلام في غزة يضم شخصيات عالمية بارزة ويبدأ عمله العام المقبل    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    إسلام الكتاتني يكتب: الحضارة المصرية القديمة لم تكن وثنية    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    وزارة الصحة تطمئن المواطنين: لا وجود لفيروس «ماربورج» في مصر    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنترنت فى خدمة التمرد
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 02 - 2013

فى سيرته الذاتية، سيرة التمرد والثورة لمهندس الكمبيوتر وائل غنيم التى صدرت عن دار هاربر كولينز باللغة الإنجليزية فى الذكرى الأولى لثورة 25 يناير 2011، ثم قامت الأستاذة رحاب بسام بترجمتها ترجمة ممتازة، يقودنا صاحب السيرة إلى تأمل جماعى فى التاريخ قادر على تحريرنا من النماذج الطوباوية والتجريدية، وعلى الاحتكام إلى صيرورة وجودنا السياسى والمعرفى بوصفها الوجه الآخر لوعى الذات بذاتها، وهو الأمر الذى يعبر عنه وائل غنيم بقوله: «لست البطل المنتظر: فأنا مجرد فرد من أفراد الثورة قرر المشاركة وأدى دوره تجاه وطنه والذى كان أسهل الأدوار، وهو الكتابة والحشد على الإنترنت، فأنا لست إلا مجرد مناضل كى بورد لم تكن أصابعه تتعبه من الكتابة»، مؤكدًا أن النزول إلى الشارع «لم يكن مخططًا من قبل قوى سياسية، بل كان رد فعل طبيعيًّا من جيل تربى على الخوف والفشل والسلبية بعد أن شاهد ما يحدث فى تونس».

وهو بذلك يرد على مزاعم التيار الإسلامى فى الدعوة إلى النزول إلى الشارع يوم 25 يناير، مشددًا على أن «أعضاء جماعة الإخوان المسلمين شاركوا بشكل شخصى، بعد أن قررت الجماعة عدم المشاركة بشكل رسمى». وتكتسب شهادته هنا مصداقيتها نظرًا إلى خلفيته الإخوانية القديمة وهو بعدُ طالب جامعى، كما أنه لا ينى يطالع بين الفينة والأخرى فضاءهم الإلكترونى بدافع من هواه القديم. غير أنه يميط اللثام عن الإشكاليات المحايثة للركود السياسى المصرى الذى خنق الحرية باعتبارها العمود الفقرى للعدالة؛ لصالح تحالف رجال الأعمال والاستبداد السياسى، مسلطًا الضوء على ذلك الواقع البائس الذى أخضع الأحزاب والنقابات والاتحادات والإعلام والجمعيات الأهلية لسيطرة الأجهزة الأمنية، حتى إن «ضباط أمن الدولة كانوا ينصحون بعضهم بعضًا ألا يتجسسوا على مكالمات زوجاتهم تفاديًا للمشكلات العائلية».

ومن أجل هذا، يقول وائل غنيم، «اعتمد النظام على وزارة الداخلية كلاعب أساسى فى عملية قمع وتخويف المعارضين، وزرع الخوف فى نفوس المصريين من صغرهم»، مرجعًا ذلك إلى «عصر ثورة 1952» التى خلقت لديه ولدى الغالبية الغالبة من المصريين «مخزونا متوارثا من الخوف من مصير مجهول لكل من يجرؤ على أن يدخل هذا العالم «النشاط السياسى» من دون أن يكون عضوًا فى حزب الأغلبية، الحزب الوطنى الديمقراطى». وقد نال وائل غنيم الكثير من العَنَت والاضطهاد والتعذيب على يد جلادى النظام، حتى إنهم استبدلوا اسمه برقم 41، وراحوا يفتشون فى عقله ونواياه عن خطط ومؤامرات توهموها. وهذا دأب الدولة البوليسية التى تقدم نفسها دومًا بوصفها مستودع الحكمة، وتدفع الجماهير الشعبية إلى القبول باستلابها الأيديولوجى والسياسى على أنه ضرورة وطنية!

ويمضى وائل غنيم ليقدم لنا العلم والتقنية فى خدمة الثورة والواقع الاجتماعى المعيش، ويعيدنا إلى مقولات الفيلسوف الألمانى «مارتن هيدجر» عن أن العلم لم يعد ملاحظة الأشياء والبحث عن قوانينها، بل دفعه إلى أن يفصح عن كنهه وحقيقته؛ وبذلك تحدد التقنية للمرء نمط معرفته المنشود. من هنا نجده ينظر إلى تقنية الإنترنت بوصفها نقطة التقاطع الكبيرة بين التكنولوجيا والسياسة، والوسيلة التى ستمكن مصر من مواجهة القيود المفروضة على حرية التعبير، وتجاوز الرقابة، والاتصال بالآخرين وبناء علاقات معهم. ولذا أسس وائل غنيم صفحة د. محمد البرادعى على الفيسبوك «لدعمه؛ ولتكون منبرًا رسميًّا يستخدمه فى التواصل مع مؤيديه عبر الإنترنت»، وكذلك صفحة «كلنا خالد سعيد» تعبيرًا عن تعاطفه الشديد «تجاه ذلك الشاب المقموع الذى لا يملك حقوقًا فى وطن ينتمى إليه»، واستمر فى الحشد على صفحته الإلكترونية «محاولًا أن أبث فى الصفحة الثقة بالنفس والإيمان بقدرة الشباب على التغيير، وأبرزت رد فعل الحكومة الخائف والمرتعد».

بيْد أن أهم ما فى سيرة وائل غنيم الذاتية، إزاحته النقاب عن اختلال العلاقة بين النظام السياسى والمجتمع، وانفصال الدولة عن فعل القوى المجتمعية؛ لهذا لم يتردد فى المشاركة واقتحام ساحة الوغى برغم اعترافه بأنه لم يكن مستعدًّا «للمواجهة المباشرة مع النظام، خصوصا أن لدىَّ الكثير الذى أخسره: فأنا أعمل فى وظيفة مرموقة فى شركة «جوجل» هى حلم الكثير من الشباب فى العالم، ولدىَّ طفلان وزوجة أعولهم. وكذلك بسبب إيمانى بأن التغيير فى مصر سيتطلب وقتًا طويلًا برغم بصيص الأمل. ولكننى قررت أن أستخدم خبرتى فى الإعلام والتسويق والإنترنت فى دعم البرادعى الذى أختلف فى العديد من القضايا والآراء الفكرية معه، إلا أننى لم أتردد فى الترويج له كمرشح للرئاسة. فقضيتى شخصيًّا هى التغيير وليس ترشح البرادعى للرئاسة أو حتى فوزه بها».

وبذلك أخذ وائل غنيم يطرح الأسئلة على السياسة، بدلًا من إعادة كتابة فعل التساؤل فى إطار عقيدة سياسية ما، وعاش علاقة بوطنه طابعها الحلم والأمل والعفوية والوعى؛ الأمر الذى انعكس على لغة كتابته التى ترفض السكون والرتابة، وتسعى إلى التحول والتغير فى ملحمة الإنسان الحوارية والصراعية مع الحياة؛ فكتب «ورقة كاملة عن سبب التظاهر وسر اختيار يوم 25 يناير والهتافات الموحدة وأماكن المظاهرات، وكذلك أرقام هواتف النشطاء المسئولين عن غرف العمليات لدعم المتظاهرين فى حالة القبض عليهم، أو توجيههم لأماكن أخرى فى حالة تفريق المظاهرات»، لينجز مع ملايين المصريين «المهمة الأولى وينزاح كابوس نظام مبارك، ولنجد مصرنا التى حاول النظام لسنوات طويلة أن يقنعنا بأنها لم يعد لها وجود»، وليهتف بكل ما يملك من قوة: «حمد الله على السلامة يا مصر.. وحشتينا». مؤكدًا فى غير موضع ومكان أن الأبطال الحقيقيين لهذه الثورة هم «من ماتوا وأصيبوا فى سبيل تحقيق أهدافها، وأن تضحياتى لا تقارن بغيرى فأنا كنت نائما فى أمن الدولة (فى إشارة إلى اعتقاله واحتجازه) بينما يشارك الآخرون فى ملحمة تاريخية».

لقد صاغ وائل غنيم حياته من نسغ خبراته المتجددة، ومن قدرته على التفاعل مع ما تشعه العلاقات الإنسانية الحية من تمرد، فروى لنا قصته مع الموت بكل ضعف الإنسان وقوته؛ بعد أن آمن بأن هناك نوعًا من المصداقية فى قبول الموت؛ بوصفه ثمن الحرية المحتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.