توجهت أفئدة الفلسطينيين إلى العاصمة المصرية القاهرة التى جمعت قادة الفصائل الفلسطينية قبيل منتصف هذا الشهر، أملا فى تحقيق المصالحة، وانهاء الانقسام، بعد ظهور اشارات ايجابية من الفرقاء. لكن تفجر الخلافات مجددا بين المتحاورين، أظهر أن الانقسام الذى بدأ قبل حوالى ست سنوات سيستمر ربما لسنين طويلة قادمة. وأخفق المتحاورون فى القاهرة، ليس فقط فى التوصل إلى اتفاق حول القضايا المركزية الكبيرة، مثل الشراكة فى منظمة التحرير، والسلطة، واجراء الانتخابات العامة، وانما أيضا فى القضايا الجزئية الصغيرة مثل إدارة معبر رفح بين قطاع غزة ومصر، وإنهاء قضية المبعدين من قطاع غزة إلى القاهرة، وحل مشكلة الموظفين والمعتقلين والحريات العامة وغيرها.
وأظهرت هذه اللقاءات الحجم الكبير للهوة التى ما زالت تفصل بين حركتى «فتح» و«حماس» المتصارعين على السلطة وعلى قيادة الشعب الفلسطينى، وأزمة الثقة المستعصية بينهما. وآثر الجانبان اصدار بيان ايجابى فى ختام الاجتماعات يتحدث عن اتفاق على بدء تسجيل الناخبين فى قطاع غزة بالتزامن مع مشاورات يجريها الرئيس لتشكيل حكومة مشتركة. لكن الحقيقية التى يتحدث عنها المتحاورون فى اللقاءات الخاصة بينت أن الحوارات تفجرت، ولم تتوصل إلى شىء ذى مغزى، وان البيان لم يكن سوى وسيلة لحفظ ماء الوجه، او ما تبقى منه.
وتمحور الخلاف بين «فتح» و«حماس»، الذى فجر الحوار، حول نقطتين هما: الشراكة فى المنظمة والشراكة فى السلطة. فحركة «حماس» تريد شراكة كاملة فى قيادة الشعب الفلسطينى، أى منظمة التحرير الفلسطينية أولا: من يقود والى أين يقود. و«فتح» تصر على حل معضلة السلطة أولا، عبر الانتخابات، وهو ما اعتبرته «حماس» محاولة لتجريدها من حكم قطاع غزة بالطريقة التى دخلت فيها وهى الانتخابات.
•••
وفى التفاصيل طالبت «فتح» بتشكيل حكومة لمدة ثلاثة شهور فقط يعقبها انتخابات عامة، فيما رفضت «حماس» تحديد سقف زمنى للانتخابات، غير قابل للتغيير. وطالبت «حماس» الشراكة التامة فى منظمة التحرير اولا بموازاة شراكة فى السلطة، وتأجيل الانتخابات العامة فى الوطن إلى حين توفر الشروط المناسبة. وحسب المشاركين فأن الرئيس محمود عباس وضع سقفا زمنيا للحكومة الجديدة، لثلاثة أشهر فقط غير قابلة للتمديد ليوم واحد، الأمر الذى رفضته حركة «حماس» واعتبرته تهربا من تشكيل الحكومة، وهو ما فجر الحوار الذى انسحب منه الرئيس، وغادر القاهرة، تاركا وراءه مسئول ملف الحوار فى حركة «فتح» عزام الأحمد لاستكمال الحوار.
وتصر «فتح» على الانتخابات لأنها تعتقد أن أى انتخابات جديدة لن تمنح حركة «حماس» نسبة النجاح الكبيرة التى منحتها اياها فى العام 2006 والتى بلغت 60 فى المئة من مقاعد المجلس التشريعى. وتصر حركة «حماس» على الشراكة فى منظمة التحرير مقابل مشاركة «فتح» فى ادارة قطاع غزة عبر حكومة مشتركة. وتطالب «حماس» اجراء انتخابات لمنظمة التحرير فى الشتات والتى تشير استطلاعات الرأى إلى وجود فرصة كبيرة لديها للفوز فيها، الامر الذى ترفضه حركة «فتح» القلقة من تسلل «حماس» إلى قيادة المنظمة، والسيطرة عليها، كما فعلت فى حكم قطاع غزة.
•••
وفى ملف الحكومة الذى لم يفتح فى هذه اللقاءات، لدى «فتح» مطالب يصعب على «حماس» قبولها. وفى ملف المنظمة لدى حماس مطالب يصعب على «فتح» قبولها. ففى الحكومة تسعى حركة «فتح» إلى حكومة مستقلين لا علاقة لأى من اعضائها بحركة «حماس». أما الأخيرة فتطالب بان يكون نائب رئيس الحكومة من قطاع غزة ليتولى ادارة القطاع الواقع تحت سيطرتها. وفى هذه الحالة، طبعا، تريده مقربا منها الامر الذى ترفضه «فتح» التى تقول بان الحكومة والحال هذه ستتعرض إلى مقاطعة أمريكية ودولية. وتطالب «حماس» ايضا بتسمية وزراء فى مواقع مهمة خاصة الأمن.
وفى المنظمة تطالب «حماس» بحصة وازنة فى قيادة المنظمة تؤهلها للمشاركة فى قيادتها، على الأقل تعيين احد قادتها نائبا لرئيس المنظمة لحين اجراء انتخابات عامة للبرلمان الفلسطينى فى المنفى (المجلس الوطنى الفلسطينى)، وتؤهلها أيضا إلى تحديد المسار السياسى لها.
وترى «حماس» ان الانتخابات يجب أن تجرى اولا للمجلس الوطنى فى المنفى، فيما يجرى تأجيل، أو ربما الغاء الانتخابات فى الوطن بسبب التحكم الاسرائيلى، واستبدالها فى المرحلة الحالية بالشراكة. ومن الافكار التى تقدمها «حماس» فى هذا الصدد تمديد عمل المجلس التشريعى الحالى لعامين يفحص خلالها امكانية اجراء انتخابات عامة.
واظهرت اللقاءات شكوكا عميقة بين الطرفين. ففيما يرى الرئيس محمود عباس ان «حماس» تريد مشاركته فى قيادة المنظمة دون مشاركة فى ادارة غزة، ترى «حماس» ان الرئيس عباس يريد تجريدها من قطاع غزة، وعدم اشراكها فى قيادة المنظمة.
•••
وظهر عامل آخر مهم فى هذه الجولة من الحوار وهو عودة الجهود الامريكية الرامية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. فالرئيس الامريكى باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيرى يستعدان لزيارة المنطقة الشهر المقبل لبحث فرصة اعادة الطرفين الفلسطينى والاسرائيلى إلى طاولة المفاوضات. ويرى كثير من المراقبين ان الرئيس محمود عباس فضل أيضا التريث لحين استكشاف آفاق التحرك الامريكى الجديد وهو الأول بعد الدورة الرئاسية الثانية لأوباما.
•••
وترى مصر التى استضافت عشرات اللقاءات بين الطرفين أن مشكلة الانقسام الفلسطينى تمكن فى تجذرة. ويتبّع المسئولون المصريون تكتيكا يقوم على محاولة تفكيك ملفات الانقسام تدريجيا، من السهل إلى الأكثر صعوبة. وعليه فان كثير من اللقاءات ستعقد، وكثير من المشاورات ستجرى، وكثير من الوفود ستتحرك وتتنقل، لكن لا مؤشرات على امكانية حدوث تقدم حقيقى حتى فى الملفات الصغيرة مثل ادارة معبر رفح الذى سيشكل فتحه حلا لمشكلة انسانية وسياسية وأمنية كبيرة للفلسطينيين ومصر تتمثل فى عشرات الانفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية.