أخطاء بالجملة وقع فيها التليفزيون المصرى أثناء تغطيته أحداث الاتحادية التى وقعت مساء الجمعة الماضى، ففى الوقت الذى نقلت المحطات الإخبارية حول العالم واقعة سحل المواطن حمادة صابر أمام القصر، لم يُعِر التليفزيون أى اهتمام لهذا المشهد الذى هز ضمير العالم، بل تعرض لاتهامات بالانحياز للسلطة فى اليوم التالى، بعد بث حديث أجراه مع المواطن المسحول فى مستشفى الشرطة، وظل يعيده على مدى اليوم بزعم أنه خاص وانفراد لقطاع الأخبار. فيما لم يقدم التليفزيون أى اعتذارات أو تبريرات لتخلفه عن نقل هذه الواقعة، وحتى عندما فجر حمادة صابر عن مفاجأة أخرى، وقام بسحب الاعترافات التى أدلى بها للتليفزيون سواء تحت التهديد أو الترغيب أو كليهما معا، لم يدافع التليفزيون عن مصداقيته ولم يحاول أى مسئول تبرئة ساحته من تهمتى التضليل أو التواطؤ مع الداخلية.
الإعلامى محمود سلطان يصف الموقف بحساسية شديدة ويحاول أن يختار الألفاظ بعناية، وقال: «هى حالة ارتباك عام تسببت فى الوقوع بتلك الأخطاء المهنية».
وأضاف: «لا يمكن أن نصدق بأن الأمور ستعود لما كانت عليه فى العصر السابق، ففكرة التعتيم لم يعد لها مجال فى عصر الستالايت، والقنوات التى تنقل الأحداث لحظة بلحظة على الهواء من قلب الشوارع والميادين، ويستطرد قائلا: «لا يمكن لأى مؤسسة إعلامية فى هذا العصر أن تغامر بمصداقيتها، والتورط فى مثل هذه الممارسات التى يمكن أن تنهى علاقته بالمشاهد».
وعلق سلطان على اتهامات الشارع للتليفزيون بالتواطؤ مع الداخلية، بقوله: «لا أتخيل أن يحدث هذا بعد ثورة 25 يناير، ولا أعتقد أن الأمور يمكن أن تسير بهذه الصورة».
وأضاف أن مؤسسات الإعلام الرسمى يجب أن تلتزم بالخبر المجرد، وأعتقد أن نقلها للواقعة مثل الاعتداء على مواطن لا يشكل خطأ مادام أن الحدث وقع بالفعل، والتقطته الكاميرات، مؤكدا أنه يجب على الإعلام الرسمى التخلص من مخاوفه التى تأخذ من أدائه ومصداقيته.
من جانبه يفسر د.حسن عماد مكاوى، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، طريقة تعامل التليفزيون بهذا الشكل، بأنها «شكل من أشكال التواطؤ مع السلطة، وتضليل الرأى العام»، وأى قناة تحجم عن عرض حدث مهم تتناوله كل وكالات الأنباء والقنوات العالمية، هو فى عرف المهنة تعتيم متعمد بهدف تضليل الناس.
ويرى د.مكاوى أن التليفزيون لا يزال يعيش فكرة تليفزيون السلطة، وهو بذلك يخيب آمال الناس بعد الثورة فى إعلام وطنى حر يعرض الحقيقة، والحقيقة وحدها بصرف النظر أن كانت هذه الحقيقة فى صالح فئات كثيرة فى المجتمع أو كانت ضد فئة ما، ولكن التعامل بهذا الشكل الذى رآه المصريون مع واقعة سحل مواطن تواطؤ لصالح السلطة.
أما د.درية شرف الدين، فترى أن هذا الأداء لم يكن مستغربا فى الفترة الأخيرة، فهناك توجه عام لخدمة اتجاه بذاته على حساب باقى الاتجاهات، وترسيخ أفكار معينة مثل أن المتظاهرين بلطجية، وأصحاب المطالب قطاع طريق، وحتى ظاهرة التحرش فى المظاهرات أصبحت فى إطار خدمة هذه الأفكار.
وأكد شرف الدين أن هذه الممارسات أخذت كثيرا من مصداقية التليفزيون، وكل المؤشرات تشير أنه أصبح شاشة «مهجورة». من جانبه، أكد سامح رجائى رئيس قناة النيل للأخبار، بأن القناة أذاعت لقطات لعملية الاعتداء على المواطن حمادة صابر أمام قصر الاتحادية، فور وصولها عبر الوكالات، وقال إنه تمت استضافة مساعد أول وزير الداخلية على الهواء مباشرة الساعة 12 مساء بعد عرض الفيديو، وطلبت القناة منه التعليق على هذا المشهد، وأكد أنه سيتم إجراء تحقيقات على الواقعة، ومجازاة المخطئ والوقوف على كل الملابسات.
وأضاف رجائى، أن القناة كانت قد أرسلت جهاز نقل على الهواء ، نظرا لأنه فى توقيت المظاهرات لا تتم الاستعانة بعربات الإذاعة الخارجية، ولكن حدث عطل فنى فى الجهاز، فلجأت القناة للاستعانة بالمواد المصورة عبر الوكالات.
وبسؤاله عن اللقاء الذى تمت إذاعته مع المواطن المسحول فى مستشفى الشرطة، علق قائلا إن هذا التسجيل تم بمعرفة قطاع الأخبار وليس من خلال فريق العمل الخاص بالقناة.