في إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال44، أقيم لقاء فكري مع الكاتب الكبير جمال الغيطاني بالقاعة الرئيسية وأداره د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقال الغيطاني: إن القاهرة التي أسست في القرن الرابع الهجري على يد جوهر الصقلي احتوت على عواصم كثيرة من خلال تاريخها الممتد ل10 آلاف عام، وترى في الجنوب أبراج كنائس مصر القديمة وكانت تتركز في حصن بابليون؛ حيث توجد الكنيسة المعلقة على شكل سفينة نوح.
ويلاحظ الغيطاني، أن شرط البناء على النيل أساسي في أي مدينة مصرية وخاصة للأماكن المقدسة؛ معبد الأقصر، والكرنك، وأبيدوس، ودندرة.. النيل مقدس باعتبار أن الماء أصل الحياة قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".. فضلا عن أن النيل في الفسطاط كانت تطل عليه الكنيسة المعلقة وجامع عمرو بن العاض قبل أن يتحرك النيل غربا لمسافة 500 متر .
ويحكي الغيطاني عن زمن كان فيه النيل يخترق ميدان التحرير وكان فيه الخليج المصري الذي يمر بقرب القاهرة القديمة.
ويعود إلى جنوبالقاهرة القديمة الذي تخترق سماءه أروع مآذن العالم الإسلامي فكل مئذنة حالة بذاتها، ويسرف في عشقه لمسجد السلطان حسن بمآذنه المصرية الصميمة، بينما كان يثير خياله في سن الرابعة مسجد محمد علي ولكنه عندما تردد على إسطنبول اكتشفت الأصل المعماري له.
ما زلنا في الجنوب، ونلاحظ أن القاهرة تخلو من الطبيعة الطائفية أو العرقية فلم يكن فيها مكان خاص بالأقباط وحدهم أو اليهود مجتمعين، حتى حارة اليهود كان بداخلها معبد وكنيستان وجامع.. وهذا ما جعلني أكتب عن أن مجمع الأديان موجود في الفسطاط ومن بناه التاريخ وليس الإنسان.
ويشرح الغيطاني طبيعة اليهود في كل مكان في العالم وتجمعهم في مكان واحد باستثناء القاهرة التي استطاعوا فيها أن يقيموا 16 معبدا من مصر الجديدة وحتى المعادي.
وأضاف الغيطاني، أن المصريين القدماء أدركوا الحدود الشرقية فتحتمس عبر سيناء 17 مرة بعد درس الهكسوس لتأمين مصر من ناحية الجبال.. وهو ما يجعل سيناء اليوم موضع قلق.
ونلاحظ في تأسيس المدن المصرية، أنها مرتبطة بالأسطورة فعمرو بن العاص نصب فسطاطه وحين أراد أن يزيله وجد حمامة فرفض أن يزيلها وسميت المدينة الفسطاط، جاء عمرو إلى هذا المكان لتثبيت الوضع السياسي الجديد قرب حصن بابليون مركز الحكم الروماني.
وعندما تأسست الدولة العباسية مصر كانت ولاية تابعة لبغداد، أسس أحمد بن طولون القطائع كمركز سياسي للدولة العباسية على بعد مسافة قريبة من الفسطاط.
وانتهت الدولة الفاطمية وفتحت القاهرة لسكن الناس، وفي زيارة الخديوي إسماعيل لمعرض باريس فُتن بشوارعها فأسند إلى مبارك تخطيط وسط البلد، فتم تحديث القاهرة نتيجة تأثره بالنهضة الغربية وتم نقل نقل الحكم من القلعة إلى قصر عابدين.
وفي مداخله حول إمكانية استعادة سحر القاهرة في ظل الفتن الموجودة الآن يقول الغيطاني: إن مركز القاهرة الروحي هو الأزهر والأزهر هو العلم والحسين هو الروح، استشهد من أجل فكرة لأن البعض يعتبره احتل مكان السيد المسيح.. فتاريخ مصر طبقات، وإذا أردت أن تفهم الإسلام لا بد أن تفهم تاريخها القبطي القديم.
مضيفا في مجموع كنائس حارة الروم في الباطنية نجد أنفسنا أمام أربع منشآت قبطية كنيسة ودير للنساء وكنيسة العذرا التي كانت مركز البابا حتى مجيء الحملة الفرنسية لمصر فانتقل المركز إلى الأزبكية إلى أن قام المثقف القبطي رشدي سعيد وكان صديقا لعبد الناصر فاقترح عليه أن يقدم هدية للأقباط، فقال له مشروع كاتدرائية في العباسية فأهدى عبد الناصر الأرض، وعلى بعد 100 متر من الأزهر 4 منشآت قبطية لا تزال في مكانها مصر ستظل نموذجا للتعايش .
وعن التخوف من تغيير هوية القاهرة يقول: نحن في حاجة إلى قراءة التاريخ عندما نعرف الظروف الأصعب نثق من قدرتنا على تجاوز أي صعوبات.
مضيفا، أن مصر تهضم ما لا يتفق معها وبونابرت تحدث العربية، وذهب إلى الأزهر وجلس إلى العلماء والإنجليز الذين غيروا لغة الهند التي تمتلك 600 لغة لم يؤثروا في مصر وكذلك الحال في الجركس الذين حكمونا 200 سنة ولم يغادروا أثرا ومن استمر منهم أصبح مصريا خالصا ومن غادر خسرناه.. خسرنا التنوع الثقافي الإنساني وأقول: ما يتناقض مع جوهرها لا نقبله.
وقال مجاهد: إن الغيطاني والقاهرة وجهان لعملة واحدة .